نداء 84
05-19-2018, 11:37 PM
مدينة التلال السبعة
عمّان - الاردن 1995
الثلوج هطلت طوال الليل بغزارة .. اكتسى كل شيء برداء ابيض .. حتى قلبي وروحي ..
كنت قد جاوزت العشرين بقليل وحضرت الى هنا مع زوجي .. هذه المدينة مختلفه ..
لا ليست الثلوج ولا البرد القارس .. ولا النظام المقدس .. ولا النظافة البراقه ..
هناك شيء ما في روح مدينة التلال السبع .. شيء ما مراوغ لا يمكن الامساك به ..
ومع ذلك احببتها ورغم مرور السنين والتغيرات التي طرأت عليها كما اخبرني اصدقاء .. الا انني تمنيت العودة اليها ..
كانت لي هناك قصة من الممكن ان تحكى ..
*********************************** *******************
كنا نسكن في ضاحية من ضواحي عمان تدعى "ابو نصير" بالقرب من جامعة كان زوجي يعمل في هيئة تدريسها ..
كان الملل والضجر يقتلني .. في ذلك الوقت كانت المنطقة سكنية ويوجد سوق مركزي وحيد في وسطها فيه كل شيء تقريباً .. وهناك السيفوي اذا احتجت اشياء اخرى وهو يشبه مولات هذه الايام وكان موقعه في الشيمساني على ما اذكر .. وهناك دور السينما التي لفت نظري وجود كرسيان للملك والملكة في احداها وعندما حاولت الجلوس لاخذ صورة ارتبك المكان كله وتجاوزوا عن الامر في النهاية عندمي عرفوا انني مصرية ولا اعرف القواعد !!
وبالطبع هناك المدرج الروماني الضخم (اضخم من مدرج الاسكندرية ب 100 مره) والمسجد الحسيني ومعالم اخرى غيبتها السنين والاحداث عن ذاكرتي ..
على اي حال كانت حركتي محدودة بوجود زوجي معي .. وكانت الشوارع تقفر من الماره عند العاشرة مساءً ...
*********************************** *******************
كانت الجامعه في منطقة "شفا بدران" التي تبعد عن "ابو نصير" دقائق بالسيارة .. اختلاطنا بالاردنيين رغم ودهم كان محدود بسبب زوجي الذي لم يكن يحب الاختلاط او الزيارات العائليه المشتركة !!
كان علي ان اقضي فترة الصباح وهو في عمله اما نائمه او اتابع برامج التلفزيون الاردني او الاسرائيلي الذي يسهل التقاط بثه هنا ..
/ (/ /> ضاحية ابو نصير - عمان في الربيع
كنت محرومه تماماً من التلفزيون المصري والاذاعات المصرية التي كانت وقتها اذاعات الاردن تبث فوق موجاتها !!
*********************************** *******************
في ذلك اليوم الذي هطلت فيه الثلوج بغزارة (قارنه الاردنيون بيوم اخر يسموه السبع ثلجات كان الانهمار فيه اكبر) اقول في ذلك اليوم اضطريت للخروج والذهاب الى السوق لشراء حاجات ضرورية ..
والعمارات هنا مبنيه فوق تبات عاليه مستواها اعلى من مستوى الشارع مما يعني معاناه في الصعود والنزول .. عندما نزلت كنت اعاني بشده لكي احفظ توازني فحذائي لم يكن مهيأ للمشي فوق الثلوج الزلقه .. قذفني اطفال صغار بكرات ثلج .. فقذفتهم انا الاخرى وتبادلنا ضحكات حلوة من القلب .. لا يوجد موسيقى في هذا الكون تعادل صوت ضحكات الاطفال .. لا يوجد ابداً ..
/ (/ /> ضاحية ابو نصير - عمان في الشتاء
ودعتهم ومضيت وانا احاول ان احفظ توازني .. من النادر ان يمر تاكسي هنا فما بالكم والثلوج تغمر المكان والجرافات لم تأتي بعد لتزيحها !!
قبل ان اصل لمنتصف الشارع حدث ما كنت اخاف منه وانزلقت .. خفف الثلج الذي وقعت عليه من عنف السقطه ولكنها كانت مؤلمة .. وانا نائمه على ظهري وقبل ان اقوم رأيت وجوه اصدقائي الاطفال ينظرون الى بجزع وفضول ثم رأيت وجهه !!
- هل انتي بخير
- ايوه كويسه
- هل تستطيعي الحركة ؟! هل استدعي الاسعاف ؟!
لم ينتظر اجابتي ومد يده واجلسني بلطف .. ثم قمت وانا استند عليه ..
قال : طالما استطعتي تحريك اطرافك فلا كسور بالتأكيد ..
كنت اسير بصعوبه ولكن لا الام مبرحه .. اصر هو على اصطحابي الى الطبيب الوحيد في "ابو نصير " الذي كانت عيادته تقع في السوق المركزي ..
حاولت ان ارفض فاصر وقال لي : لا نقاش ولن اتركك حتى اطمئن ..
اصطحبني بسيارته الى العيادة .. لم اكن اثق بذلك الطبيب العام خريج اسبانيا كما تشير شهادته المعلقة على الجدار ولكن لم يكن هناك بد من الذهاب اليه ..
بعد ان فحصني الطبيب وجس عظام ساقي ومفاصلي ووضع بعض المطهرات على السحجات في يدي ومرفقي قال انه لا يوجد شيء خطير وانه علي شراء حذاء مدبب بسرعه حتى لا اسقط مره اخرى ..
ذهبت مع الشاب واشترينا الحذاء ثم دعاني على فنجان قهوة .. رغم ترددي في قبول الدعوه الا انني وجدت انني سأكون فجه اذا رفضت بعد ما فعله معي ..
*********************************** *********
ونحن نشرب القهوة قال لي انه مهندس يعمل بدوام ليلي بالتبادل مع زملاء اخرين .. عرفته بنفسي وبمهمة زوجي هنا .. فبدت عليه الدهشه لاني متزوجه في هذه السن الصغيره ..
- انتي اول ست مصرية اشوفها في عمان
- اها مافيش مصريين كتير هنا
- لا في معظمهم عمال رجال
كنت اتحرق لتدخين سيجارة مع القهوة مثل تلك التي في يده ولكني كنت محرجه من اشعالها في مكان عام ..
لاحظ هو ذلك وقدم لي سيجارة ..
- عينك حتطلع عليها هههه خذي يا شيخه لا تهتمي !!
اشعلتها بمزيد من الامتنان وشعرت بمزيد من الراحه بل والالفه وانا معه ..
*********************************** *********
في اليوم التالي وبعد خروج زوجي نزلت الى السوق .. كنت امشي بثقه هذه المره بسبب الحذاء المدبب .. لم ارى اصدقائي الاطفال ولكني رأيته واقف في نفس المكان وكأنه ينتظرني .. كان تحت قدميه بضع اعقاب من السجائر .. اذاً هو ينتظر بالفعل !!
ابتسم عندما راني وانفرجت اساريره .. ولم استطع انا الاخرى الا ان ابتسم ..
- رايحه السوق تعالي اوصلك .. لن اخذ منكي اجره اطمئني ...
بعد ان اشتريت ما اردت دعاني مره اخرى على فنجان قهوة !!
كان قبولي الدعوه هذه المرة له معنى اخر .. ولكني قبلت ... لست ادري هل لاني اردت كسر الملل .. ام اردت تحدي زوجي الذي عزلنا عن العالم .. ام ان الشاب راق لي .. ام كل ما سبق ..
عندما اوصلني الى اول الدرج الطويل المفضي صعوداً الى عمارتنا عبر التبه كنت سعيده .. لا استطيع ان انكر هذا الشعور اللطيف الذي غمر روحي ونفسي وقلبي .. شعرت انني خفيفه مثل الريشه .. ثمله بلا خمر ..
ودعت منذر على موعد باللقاء غداً .. بعد ان يذهب زوجي !!
*********************************** **********
زرت كثير من معالم عمان التي لم اكن لاراها مع زوجي بصحبة منذر .. عرفت شوارعها وازقتها القديمه الصاعدة والهابطة .. افطرنا عند "جبري" مرات .. و "هاشم" مرات اخرى .. واراني دور السينما الشعبيه التي تعرض افلام اباحيه واشكال روادها المثيرة للقلق .. واقتنيت الكتب من المكتبات القديمه .. واكلت الذرة المسلوقه لاول مره في حياتي ..
/ (/ />
نسيت اسماء بعض الاماكن بسبب تقادم العهد ولكن روائحها ما زالت تسري بين انفاسي !!
كان يوم اجازة زوجي الاسبوعيه هو اسوء يوم في الاسبوع ..
*********************************** ***********
وسأقول لكم بدون خجل انني احببت منذر بل وتمنيت ان يكون زوجي .. الحياة الراكده التي كنت اعيشها مع زوجي كانت تناسب امرأة في السبعين .. نأكل وننام ونتغطي تحت البطانيات ونشاهد التلفزيون .. للمضاجعه موعد ثابت في سهرة الخميس !!
لا كلمة حب او غزل .. لا نخرج .. لا نتزاور .. يرتدي بذته وعليها صديري وكأنه كهل في الخمسين ..
اين هو من منذر المرح المنطلق .. اسمع البعض يقول انني "خائنه" .. وانا اقول : اذا احبت المراة رجل غير زوجها فلا تلوموها فهو السبب !!
*********************************** **********
انتظرت ان يطلب منذر مني ذلك الشيء .. كنت مستعده لذلك اليوم .. سأمنحه نفسي عن طيب خاطر .. هو منحني لحظات سعيده كثيرة فلماذا لا امنحه بعضاً مني ؟!!!
*********************************** *********
في ذلك اليوم لم نتكلم كثيراً .. قال لي انه لديه مفتاح شقة صديق مسافر .. كان هناك قلق في عينيه بانتظار رد فعلي ..
قلت له ببساطه : يللا بينا
رأيت في عينيه نظرة حب وتفهم صافيه .. لا لم يكن ذئب سيئ النيه .. انه يحبني بصدق شاء من شاء وابى من ابى !!
*********************************** ********
لم اكن خائفه او مرتعشه او وجله ولم اشعر بذرة تأنيب ضمير واحده .. القيت صورة زوجي في خلفية ذاكرتي وردمتها بطن من الاتربه .. دفنته هو وصديريه مغلق الازرار صيفاً وشتاءً .. هو وبطانيته وتلفزيونه وحلة المحشي المفضله عنده !!
*********************************** *******
وهبت نفسي في ذلك الصباح لمنذر بكل ما في نفسي وروحي من حب .. كنت اريد ان اسعده .. واعتقد انه اراد نفس الشيء ..
كان يلمسني بنظراته الحانيه المشفقه العاشقه .. لم ارى عين تمس وتلمس من قبل الا في ذلك الصباح ..
قبلني فوق جبيني ثم في شفتاي .. شعرت بروحي تنسحب مني وتحلق في سماء الغرفه ثم تعود ..
يداه تستكشفان جسدي بحنو .. تسبح في جسدي .. وهو يهمس في اذني بـ اروع قصيدة سمعتها في حياتي : احبك ..
رقص معي رقصة الحب بعذوبه لم اشعر بها في حياتي .. لم يكن رجل يعتلي امراة .. بل كان راقص يرقص على مسرح .. كنت انا المسرح والجمهور وكدت اصفق اكثر من مره لروعة اللوحة التي يجسدها لي انا وحدي ..
التحم جسدي وجسده لنصبح كائن واحد يشع بالضياء والدفء مثل شمس الشتاء الحانيه ..
كرر رقصاته معي ذلك اليوم لست مرات .. لم يتعب الراقص ولم تمل مشاهدته الوحيده ..
*********************************** ********
عدت الى البيت وروحي ترفرف بين جناحي قلبي .. فتحت الباب فوجدت زوجي جالس في البهو ..
وجهه محتقن ويدخن بعصبيه .. قال وهو يقوم ويتجه نحوي بنزق : كنتي فين ؟!!!
- في السوق
- في السوق !!!!! ثم صفعني صفعه قويه اطارتني من مكاني لاصطدم بالجدار المقابل واسقط على الارض ..
- في السوق يا هانم وجايه بايدكي فاضيه .. هاااااا .. ايه اللي ناقص في البيت ونزلتي تشتريه
حملني بعنف وصفعني صفعه اخرى ..
واصل الصراخ وهو يركلني بعنف ..
بعد قليل توقف عندما سمع دق عنيف على باب الشقه .. عندما فتح الباب وجد الشرطة !!
*********************************** ************
في ضاحيه هادئة مثل "ابو نصير" اسمع ما فعله زوجي الجيران على بعد مئات الامتار من البيت ..
نقلت انا للمستشفى مصابه بكسور في القفص الصدري وسحجات في الوجه والذراعين وتهتك في الطحال ..
زوجي احتجز ليوم واحد وافرج عنه بضمان وظيفته وبعد اخذ تعهد عليه بعدم الاقتراب مني ..
حضر والدي ووالدتي واخذوني بعد ايام على محفه الى القاهرة ..
لم يستطع زوجي اثبات اي من شكوكه ابداً ولامه الجميع على تسرعه ..
حاول مصالحتي بدون جدوى ونلت الطلاق ..
لم ارى منذر ابداً ..
هل عرف ما اصابني ..
هل حاول زيارتي في المستشفى وفشل ..
هل نسيني ...
انا لم انساه الا بصعوبه ..
هو ذكرى الان اتذكرها بلا لوعه او الم ..وبلا ذرة ندم ..
عمّان - الاردن 1995
الثلوج هطلت طوال الليل بغزارة .. اكتسى كل شيء برداء ابيض .. حتى قلبي وروحي ..
كنت قد جاوزت العشرين بقليل وحضرت الى هنا مع زوجي .. هذه المدينة مختلفه ..
لا ليست الثلوج ولا البرد القارس .. ولا النظام المقدس .. ولا النظافة البراقه ..
هناك شيء ما في روح مدينة التلال السبع .. شيء ما مراوغ لا يمكن الامساك به ..
ومع ذلك احببتها ورغم مرور السنين والتغيرات التي طرأت عليها كما اخبرني اصدقاء .. الا انني تمنيت العودة اليها ..
كانت لي هناك قصة من الممكن ان تحكى ..
*********************************** *******************
كنا نسكن في ضاحية من ضواحي عمان تدعى "ابو نصير" بالقرب من جامعة كان زوجي يعمل في هيئة تدريسها ..
كان الملل والضجر يقتلني .. في ذلك الوقت كانت المنطقة سكنية ويوجد سوق مركزي وحيد في وسطها فيه كل شيء تقريباً .. وهناك السيفوي اذا احتجت اشياء اخرى وهو يشبه مولات هذه الايام وكان موقعه في الشيمساني على ما اذكر .. وهناك دور السينما التي لفت نظري وجود كرسيان للملك والملكة في احداها وعندما حاولت الجلوس لاخذ صورة ارتبك المكان كله وتجاوزوا عن الامر في النهاية عندمي عرفوا انني مصرية ولا اعرف القواعد !!
وبالطبع هناك المدرج الروماني الضخم (اضخم من مدرج الاسكندرية ب 100 مره) والمسجد الحسيني ومعالم اخرى غيبتها السنين والاحداث عن ذاكرتي ..
على اي حال كانت حركتي محدودة بوجود زوجي معي .. وكانت الشوارع تقفر من الماره عند العاشرة مساءً ...
*********************************** *******************
كانت الجامعه في منطقة "شفا بدران" التي تبعد عن "ابو نصير" دقائق بالسيارة .. اختلاطنا بالاردنيين رغم ودهم كان محدود بسبب زوجي الذي لم يكن يحب الاختلاط او الزيارات العائليه المشتركة !!
كان علي ان اقضي فترة الصباح وهو في عمله اما نائمه او اتابع برامج التلفزيون الاردني او الاسرائيلي الذي يسهل التقاط بثه هنا ..
/ (/ /> ضاحية ابو نصير - عمان في الربيع
كنت محرومه تماماً من التلفزيون المصري والاذاعات المصرية التي كانت وقتها اذاعات الاردن تبث فوق موجاتها !!
*********************************** *******************
في ذلك اليوم الذي هطلت فيه الثلوج بغزارة (قارنه الاردنيون بيوم اخر يسموه السبع ثلجات كان الانهمار فيه اكبر) اقول في ذلك اليوم اضطريت للخروج والذهاب الى السوق لشراء حاجات ضرورية ..
والعمارات هنا مبنيه فوق تبات عاليه مستواها اعلى من مستوى الشارع مما يعني معاناه في الصعود والنزول .. عندما نزلت كنت اعاني بشده لكي احفظ توازني فحذائي لم يكن مهيأ للمشي فوق الثلوج الزلقه .. قذفني اطفال صغار بكرات ثلج .. فقذفتهم انا الاخرى وتبادلنا ضحكات حلوة من القلب .. لا يوجد موسيقى في هذا الكون تعادل صوت ضحكات الاطفال .. لا يوجد ابداً ..
/ (/ /> ضاحية ابو نصير - عمان في الشتاء
ودعتهم ومضيت وانا احاول ان احفظ توازني .. من النادر ان يمر تاكسي هنا فما بالكم والثلوج تغمر المكان والجرافات لم تأتي بعد لتزيحها !!
قبل ان اصل لمنتصف الشارع حدث ما كنت اخاف منه وانزلقت .. خفف الثلج الذي وقعت عليه من عنف السقطه ولكنها كانت مؤلمة .. وانا نائمه على ظهري وقبل ان اقوم رأيت وجوه اصدقائي الاطفال ينظرون الى بجزع وفضول ثم رأيت وجهه !!
- هل انتي بخير
- ايوه كويسه
- هل تستطيعي الحركة ؟! هل استدعي الاسعاف ؟!
لم ينتظر اجابتي ومد يده واجلسني بلطف .. ثم قمت وانا استند عليه ..
قال : طالما استطعتي تحريك اطرافك فلا كسور بالتأكيد ..
كنت اسير بصعوبه ولكن لا الام مبرحه .. اصر هو على اصطحابي الى الطبيب الوحيد في "ابو نصير " الذي كانت عيادته تقع في السوق المركزي ..
حاولت ان ارفض فاصر وقال لي : لا نقاش ولن اتركك حتى اطمئن ..
اصطحبني بسيارته الى العيادة .. لم اكن اثق بذلك الطبيب العام خريج اسبانيا كما تشير شهادته المعلقة على الجدار ولكن لم يكن هناك بد من الذهاب اليه ..
بعد ان فحصني الطبيب وجس عظام ساقي ومفاصلي ووضع بعض المطهرات على السحجات في يدي ومرفقي قال انه لا يوجد شيء خطير وانه علي شراء حذاء مدبب بسرعه حتى لا اسقط مره اخرى ..
ذهبت مع الشاب واشترينا الحذاء ثم دعاني على فنجان قهوة .. رغم ترددي في قبول الدعوه الا انني وجدت انني سأكون فجه اذا رفضت بعد ما فعله معي ..
*********************************** *********
ونحن نشرب القهوة قال لي انه مهندس يعمل بدوام ليلي بالتبادل مع زملاء اخرين .. عرفته بنفسي وبمهمة زوجي هنا .. فبدت عليه الدهشه لاني متزوجه في هذه السن الصغيره ..
- انتي اول ست مصرية اشوفها في عمان
- اها مافيش مصريين كتير هنا
- لا في معظمهم عمال رجال
كنت اتحرق لتدخين سيجارة مع القهوة مثل تلك التي في يده ولكني كنت محرجه من اشعالها في مكان عام ..
لاحظ هو ذلك وقدم لي سيجارة ..
- عينك حتطلع عليها هههه خذي يا شيخه لا تهتمي !!
اشعلتها بمزيد من الامتنان وشعرت بمزيد من الراحه بل والالفه وانا معه ..
*********************************** *********
في اليوم التالي وبعد خروج زوجي نزلت الى السوق .. كنت امشي بثقه هذه المره بسبب الحذاء المدبب .. لم ارى اصدقائي الاطفال ولكني رأيته واقف في نفس المكان وكأنه ينتظرني .. كان تحت قدميه بضع اعقاب من السجائر .. اذاً هو ينتظر بالفعل !!
ابتسم عندما راني وانفرجت اساريره .. ولم استطع انا الاخرى الا ان ابتسم ..
- رايحه السوق تعالي اوصلك .. لن اخذ منكي اجره اطمئني ...
بعد ان اشتريت ما اردت دعاني مره اخرى على فنجان قهوة !!
كان قبولي الدعوه هذه المرة له معنى اخر .. ولكني قبلت ... لست ادري هل لاني اردت كسر الملل .. ام اردت تحدي زوجي الذي عزلنا عن العالم .. ام ان الشاب راق لي .. ام كل ما سبق ..
عندما اوصلني الى اول الدرج الطويل المفضي صعوداً الى عمارتنا عبر التبه كنت سعيده .. لا استطيع ان انكر هذا الشعور اللطيف الذي غمر روحي ونفسي وقلبي .. شعرت انني خفيفه مثل الريشه .. ثمله بلا خمر ..
ودعت منذر على موعد باللقاء غداً .. بعد ان يذهب زوجي !!
*********************************** **********
زرت كثير من معالم عمان التي لم اكن لاراها مع زوجي بصحبة منذر .. عرفت شوارعها وازقتها القديمه الصاعدة والهابطة .. افطرنا عند "جبري" مرات .. و "هاشم" مرات اخرى .. واراني دور السينما الشعبيه التي تعرض افلام اباحيه واشكال روادها المثيرة للقلق .. واقتنيت الكتب من المكتبات القديمه .. واكلت الذرة المسلوقه لاول مره في حياتي ..
/ (/ />
نسيت اسماء بعض الاماكن بسبب تقادم العهد ولكن روائحها ما زالت تسري بين انفاسي !!
كان يوم اجازة زوجي الاسبوعيه هو اسوء يوم في الاسبوع ..
*********************************** ***********
وسأقول لكم بدون خجل انني احببت منذر بل وتمنيت ان يكون زوجي .. الحياة الراكده التي كنت اعيشها مع زوجي كانت تناسب امرأة في السبعين .. نأكل وننام ونتغطي تحت البطانيات ونشاهد التلفزيون .. للمضاجعه موعد ثابت في سهرة الخميس !!
لا كلمة حب او غزل .. لا نخرج .. لا نتزاور .. يرتدي بذته وعليها صديري وكأنه كهل في الخمسين ..
اين هو من منذر المرح المنطلق .. اسمع البعض يقول انني "خائنه" .. وانا اقول : اذا احبت المراة رجل غير زوجها فلا تلوموها فهو السبب !!
*********************************** **********
انتظرت ان يطلب منذر مني ذلك الشيء .. كنت مستعده لذلك اليوم .. سأمنحه نفسي عن طيب خاطر .. هو منحني لحظات سعيده كثيرة فلماذا لا امنحه بعضاً مني ؟!!!
*********************************** *********
في ذلك اليوم لم نتكلم كثيراً .. قال لي انه لديه مفتاح شقة صديق مسافر .. كان هناك قلق في عينيه بانتظار رد فعلي ..
قلت له ببساطه : يللا بينا
رأيت في عينيه نظرة حب وتفهم صافيه .. لا لم يكن ذئب سيئ النيه .. انه يحبني بصدق شاء من شاء وابى من ابى !!
*********************************** ********
لم اكن خائفه او مرتعشه او وجله ولم اشعر بذرة تأنيب ضمير واحده .. القيت صورة زوجي في خلفية ذاكرتي وردمتها بطن من الاتربه .. دفنته هو وصديريه مغلق الازرار صيفاً وشتاءً .. هو وبطانيته وتلفزيونه وحلة المحشي المفضله عنده !!
*********************************** *******
وهبت نفسي في ذلك الصباح لمنذر بكل ما في نفسي وروحي من حب .. كنت اريد ان اسعده .. واعتقد انه اراد نفس الشيء ..
كان يلمسني بنظراته الحانيه المشفقه العاشقه .. لم ارى عين تمس وتلمس من قبل الا في ذلك الصباح ..
قبلني فوق جبيني ثم في شفتاي .. شعرت بروحي تنسحب مني وتحلق في سماء الغرفه ثم تعود ..
يداه تستكشفان جسدي بحنو .. تسبح في جسدي .. وهو يهمس في اذني بـ اروع قصيدة سمعتها في حياتي : احبك ..
رقص معي رقصة الحب بعذوبه لم اشعر بها في حياتي .. لم يكن رجل يعتلي امراة .. بل كان راقص يرقص على مسرح .. كنت انا المسرح والجمهور وكدت اصفق اكثر من مره لروعة اللوحة التي يجسدها لي انا وحدي ..
التحم جسدي وجسده لنصبح كائن واحد يشع بالضياء والدفء مثل شمس الشتاء الحانيه ..
كرر رقصاته معي ذلك اليوم لست مرات .. لم يتعب الراقص ولم تمل مشاهدته الوحيده ..
*********************************** ********
عدت الى البيت وروحي ترفرف بين جناحي قلبي .. فتحت الباب فوجدت زوجي جالس في البهو ..
وجهه محتقن ويدخن بعصبيه .. قال وهو يقوم ويتجه نحوي بنزق : كنتي فين ؟!!!
- في السوق
- في السوق !!!!! ثم صفعني صفعه قويه اطارتني من مكاني لاصطدم بالجدار المقابل واسقط على الارض ..
- في السوق يا هانم وجايه بايدكي فاضيه .. هاااااا .. ايه اللي ناقص في البيت ونزلتي تشتريه
حملني بعنف وصفعني صفعه اخرى ..
واصل الصراخ وهو يركلني بعنف ..
بعد قليل توقف عندما سمع دق عنيف على باب الشقه .. عندما فتح الباب وجد الشرطة !!
*********************************** ************
في ضاحيه هادئة مثل "ابو نصير" اسمع ما فعله زوجي الجيران على بعد مئات الامتار من البيت ..
نقلت انا للمستشفى مصابه بكسور في القفص الصدري وسحجات في الوجه والذراعين وتهتك في الطحال ..
زوجي احتجز ليوم واحد وافرج عنه بضمان وظيفته وبعد اخذ تعهد عليه بعدم الاقتراب مني ..
حضر والدي ووالدتي واخذوني بعد ايام على محفه الى القاهرة ..
لم يستطع زوجي اثبات اي من شكوكه ابداً ولامه الجميع على تسرعه ..
حاول مصالحتي بدون جدوى ونلت الطلاق ..
لم ارى منذر ابداً ..
هل عرف ما اصابني ..
هل حاول زيارتي في المستشفى وفشل ..
هل نسيني ...
انا لم انساه الا بصعوبه ..
هو ذكرى الان اتذكرها بلا لوعه او الم ..وبلا ذرة ندم ..