احمد رشوان
07-16-2018, 08:48 AM
ذيل القطة
==========
قصة قصيرة
=========
الشارع مزدحم .. فضاق رغم اتساعه .. مغلق من كل الجهات .. لو تحرك أحدهم يميناً سرعان ما يعود لليسار .. ثم شرقاً .. ثم يمينً .. ثم .. ثم .. هكذا دواليك .. ما الذي يدفعني للدائرة المملة التي يدور في فلكها البلهاء .. أنني وبشهادتهم جميعاً .. أذكاهم .. لكن لا مجال هنا لأثبت ذلك فعلاً .. فأنا مثلهم .. تقيدني تلك الحدود الأربع .. من المستحيل أن أبقى مع هؤلاء الهوام ... لاسبيل أمامي .. إلا أن أتخطى تلك الأرض الظالمة .. التي يتساوى فيها الجميع .. فإمكانياتي أعظم منها .. أنني خلقت لاحتضن تلك النجوم التي تناديني كلما نظرت إليها ..مسترسلآ في رغبة وتلهف .. إذن لماذا لا أصعد ذلك المبنى الشاهق الذي يخشاه الجميع ؟ .. ما الذي يمنعني من الصعود ؟ .. وتبؤ مكاني الطبيعي بين تلك النجوم المضيئة ؟.. بقرار سريع .. وبخطوة أسرع .. تقدم من باب البناية الضخمة ... تجمدت الصورة في الشارع فجأة .. التف الجميع حوله ليمنعوه من الصعود للمجهول .. طلب احدهم منه التريث .. تجاهله .. عنفه آخر قائلا : لما لا تسير في المنظومة مثل الآخرين ؟ .. رمقه بنظرة استهجان .. حذرته امرأة .. مسترجعه ذكريات أليمه .. عن كثير ممن ابتلعهم هذا الباب الضخم .. ولم يعودوا .. أو حتى يعرف أحد مصيرهم .. فصرخ في الجميع قائلا .. الآن أيها الهوام سمعت أصواتكم المرتعدة خوفا .. من أن ارتقي مكاني الذي استحقه .. فأعلوا فوق تفاهتكم .. ثم رمق الجميع بنظرة احتقار .. ودلف من باب البناية .. التف جميع المارة حول البناية ليتابعوا مصير هذا المارق .. داخل البناية رأى رجل ضخم مفتول العضلات يرتدي بزه سوداء ...بدا كأنه حارس البناية .. ولدهشته ! لم يسأله الرجل عن مقصده .. بل أشار له بالصعود عبر السلم الرخامي لعطل أصاب المصعد منذ سنوات .. في ثوان معدودة بلغ شرفة الدور الأول .. نظر منها .. وجد نفسه فوق رؤوس الأشهاد .. أحس بغبطة .. وتجاوز نظراتهم الشاخصة نحوه صاعدا للطابق الثاني .. ثم الثالث .. ثم الرابع الذي أطل من شرفته فوجدهم بحجمهم الحقيقي .. مجرد هوام يستطيع دهسهم أنا شاء .. كانت أشارات بعضهم التي لا تكاد ترى بالتحية له رايات نصر رقص لها قلبه .. وهكذا .. كلما صعد .. كلما تدانوا .. فأحس بالنشوة تكاد تبتلعه .. على الأرض بدا يتلاشى تدريجيا أمام الجميع .. حتى أصبح من المستحيل رؤيته .. فقالت المرأة التي حذرته .. ألم أقل لكم ؟ .. لم يدخل أحد هذه البناية .. وخرج ثانية .. فلنرحل من أمام هذه البناية المشئومة .. وبدأ الجميع في الانصراف في هدوء وأسف ... أعلى ..على سطح البناية .. وقف على حدها المواجه للشارع صارخا ..ها أنا .. ها أنا أيها الأغبياء الكسالى .. في موقعي الذي اكتسبته بقدراتي التي تعلو مستوى أحلامكم .. ها أنا أرتقي فوق تفاهتكم .. وأتبوأ مكاني بين النجوم .. لكن ما أدهشه انه لم يسمع هتاف ولا تهليل .. فدنا من الحافة ونظر .. فلم يرى احد .. بل .. لم يرى الأرض نفسها .. فقد محيت .. ومحي معها كل شيء .. فضحك ضحكة مجنونة قائلا .. إذن .. فقد تلاشى العدم .. تلاشيتم تماما أيها المغفلون المرتعدون من أسطورة البناية .. بعد الآن .. لن تؤذى عيني بالنظر إليكم .. ولن تضجرني أصواتكم المنفرة .. وأحاديثكم المملة .. ضحك مرة أخرى .. ثم ضحك مرة أخيرة .. وبدون أن يشعر .. داس بقدمه .. ذيل قطة حديثة الولادة .. اتخذت من الحافة ملجأ لها .. فأصاب ظافر قدمها الصغير ساقه .. فرفعها .. واهتز جسده .. فقد اتزانه .. حاول أن يستند على سور الحافة .. فسقط من عليها .. فالحافة بلا سور .. على الأرض ...... شعر المارة بارتطام شيء ما بالأرض .. فالتفت الجمع حوله .. تحسسه احدهم .. أعلن وفاته .. طلب أحدهم تنحية جثته جانبا حتى لا تعطل سير المارة .. حمله بعض الرجال .. وضعوه بجوار الرصيف .. وغطوه بصفحات لا تقرأ من جرائد الصباح .. وانصرفوا يمينا .. ويسارا .. شرقا .. وغربا ..في دائرتهم المغلقة الآمنة .
أحمد حسين محمود
القاهرة 5/5/2006
==========
قصة قصيرة
=========
الشارع مزدحم .. فضاق رغم اتساعه .. مغلق من كل الجهات .. لو تحرك أحدهم يميناً سرعان ما يعود لليسار .. ثم شرقاً .. ثم يمينً .. ثم .. ثم .. هكذا دواليك .. ما الذي يدفعني للدائرة المملة التي يدور في فلكها البلهاء .. أنني وبشهادتهم جميعاً .. أذكاهم .. لكن لا مجال هنا لأثبت ذلك فعلاً .. فأنا مثلهم .. تقيدني تلك الحدود الأربع .. من المستحيل أن أبقى مع هؤلاء الهوام ... لاسبيل أمامي .. إلا أن أتخطى تلك الأرض الظالمة .. التي يتساوى فيها الجميع .. فإمكانياتي أعظم منها .. أنني خلقت لاحتضن تلك النجوم التي تناديني كلما نظرت إليها ..مسترسلآ في رغبة وتلهف .. إذن لماذا لا أصعد ذلك المبنى الشاهق الذي يخشاه الجميع ؟ .. ما الذي يمنعني من الصعود ؟ .. وتبؤ مكاني الطبيعي بين تلك النجوم المضيئة ؟.. بقرار سريع .. وبخطوة أسرع .. تقدم من باب البناية الضخمة ... تجمدت الصورة في الشارع فجأة .. التف الجميع حوله ليمنعوه من الصعود للمجهول .. طلب احدهم منه التريث .. تجاهله .. عنفه آخر قائلا : لما لا تسير في المنظومة مثل الآخرين ؟ .. رمقه بنظرة استهجان .. حذرته امرأة .. مسترجعه ذكريات أليمه .. عن كثير ممن ابتلعهم هذا الباب الضخم .. ولم يعودوا .. أو حتى يعرف أحد مصيرهم .. فصرخ في الجميع قائلا .. الآن أيها الهوام سمعت أصواتكم المرتعدة خوفا .. من أن ارتقي مكاني الذي استحقه .. فأعلوا فوق تفاهتكم .. ثم رمق الجميع بنظرة احتقار .. ودلف من باب البناية .. التف جميع المارة حول البناية ليتابعوا مصير هذا المارق .. داخل البناية رأى رجل ضخم مفتول العضلات يرتدي بزه سوداء ...بدا كأنه حارس البناية .. ولدهشته ! لم يسأله الرجل عن مقصده .. بل أشار له بالصعود عبر السلم الرخامي لعطل أصاب المصعد منذ سنوات .. في ثوان معدودة بلغ شرفة الدور الأول .. نظر منها .. وجد نفسه فوق رؤوس الأشهاد .. أحس بغبطة .. وتجاوز نظراتهم الشاخصة نحوه صاعدا للطابق الثاني .. ثم الثالث .. ثم الرابع الذي أطل من شرفته فوجدهم بحجمهم الحقيقي .. مجرد هوام يستطيع دهسهم أنا شاء .. كانت أشارات بعضهم التي لا تكاد ترى بالتحية له رايات نصر رقص لها قلبه .. وهكذا .. كلما صعد .. كلما تدانوا .. فأحس بالنشوة تكاد تبتلعه .. على الأرض بدا يتلاشى تدريجيا أمام الجميع .. حتى أصبح من المستحيل رؤيته .. فقالت المرأة التي حذرته .. ألم أقل لكم ؟ .. لم يدخل أحد هذه البناية .. وخرج ثانية .. فلنرحل من أمام هذه البناية المشئومة .. وبدأ الجميع في الانصراف في هدوء وأسف ... أعلى ..على سطح البناية .. وقف على حدها المواجه للشارع صارخا ..ها أنا .. ها أنا أيها الأغبياء الكسالى .. في موقعي الذي اكتسبته بقدراتي التي تعلو مستوى أحلامكم .. ها أنا أرتقي فوق تفاهتكم .. وأتبوأ مكاني بين النجوم .. لكن ما أدهشه انه لم يسمع هتاف ولا تهليل .. فدنا من الحافة ونظر .. فلم يرى احد .. بل .. لم يرى الأرض نفسها .. فقد محيت .. ومحي معها كل شيء .. فضحك ضحكة مجنونة قائلا .. إذن .. فقد تلاشى العدم .. تلاشيتم تماما أيها المغفلون المرتعدون من أسطورة البناية .. بعد الآن .. لن تؤذى عيني بالنظر إليكم .. ولن تضجرني أصواتكم المنفرة .. وأحاديثكم المملة .. ضحك مرة أخرى .. ثم ضحك مرة أخيرة .. وبدون أن يشعر .. داس بقدمه .. ذيل قطة حديثة الولادة .. اتخذت من الحافة ملجأ لها .. فأصاب ظافر قدمها الصغير ساقه .. فرفعها .. واهتز جسده .. فقد اتزانه .. حاول أن يستند على سور الحافة .. فسقط من عليها .. فالحافة بلا سور .. على الأرض ...... شعر المارة بارتطام شيء ما بالأرض .. فالتفت الجمع حوله .. تحسسه احدهم .. أعلن وفاته .. طلب أحدهم تنحية جثته جانبا حتى لا تعطل سير المارة .. حمله بعض الرجال .. وضعوه بجوار الرصيف .. وغطوه بصفحات لا تقرأ من جرائد الصباح .. وانصرفوا يمينا .. ويسارا .. شرقا .. وغربا ..في دائرتهم المغلقة الآمنة .
أحمد حسين محمود
القاهرة 5/5/2006