نداء 84
05-24-2018, 05:26 AM
ملكا 1945
اسمي "مالكا" ولدت بالمستشفى الاسرائيلي بحي "الظاهر" في القاهرة سنة 1921م ..
انتمي لاسرة من اليهود القرائين المصريين .. والدي كان يعمل صراف في بنك "الكنتوار الأهلي للخصم الباريسي" في القاهرة .. امي سيدة منزل .. ولي شقيقة وحيدة اصغر مني بعشر سنوات اسمها "نيتانيا" ..
/ (/ /> عائله يهودية - حي الظاهر القاهرة
توفي والدي في مايو من سنة 1939م .. كنت بالكاد قد انتهيت من دراسة الثقافة العامة في مدرسة "سيبل" بشارع سبيل الخازندار بالظاهر (المدرسة اليهودية المجتمعية – للأولاد والبنات) .. تبقى لي عام ادرسه لانال التوجيهيه ولكن هذا اصبح بحكم المستحيل بعد وفاة ابي ..
/ (/ /> مدرسة "سيبل" بشارع سبيل الخازندار بالظاهر ( المدرسة اليهودية المجتمعية – للأولاد والبنات)
تطوع العقلاء من ابناء الطائفة وحصلوا لي على عمل كبائعه في سلسة محلات "اوريكو" الشعبية التابعة للخواجة شيكوريل صاحب المحل الفخم في ميدان الاوبرا الذي يحمل اسمه "ليه جراند ماجازان شيكوريل" !!
/ (/ />
كيس ورقي من محلات شيكوريل
اجري كان جيد .. يكفي ايجار الشقة ومستلزمات الحياة الضرورية وبعض من ضروب الترفيه .. بل وحاولت ادخار بعض منه ..
لم اكد افيق من صدمة وفاة ابي وعبء تحمل مسؤليات الاسرة وظننت ان الحياة استقرت حتى كانت الكارثة !!
*********************************** **
لم تكن كارثة "مالكا" وحدها بل كارثة ضربت العالم كله .. ففي الاول من سبتمبر 1939م قامت الحرب العظمي الثانية .. لماذا وكيف والى متى ؟!! لم اكن اعرف .. كل ما تاكدت منه ان عالمي الصغير الذي بالكاد ابتسم لي قد ادار لي ظهره ..
زادت اسعار كل شيء مع كل قنبلة سقطت على ميناء اوربي فاغلقته .. الشاي .. البن ... السكر .. الدقيق .. السمن .. كل شيء ..
زادت اجرة البيت .. زادت تذكرة التروماي .. زادت فاتورة الكهرباء ..
ثم اختفت السلع حتى اصبح كيس الدقيق يوازي كيس الذهب من ندرته !!
اما اجري كبائعه في "اوريكو" فبقي على حاله ...
جنى الخواجة وابناءه وغيرهم ارباح طائله من فروقات اسعار السلع المخزنة .. ثروات هائله تكدست هنا وهناك .. وظهر اغنياء الحرب .. وفقراء الحرب ايضاً ..
في البداية حافظ الموظفون على كرامتهم ولكن كل شيء انهار بعد ذلك ..
امتلئت شوارع القاهرة بجنود الحلفاء من انجليز واستراليين ونيوزلنديين وهنود وافارقه .. تم بناء المخابيء تحت الارض ودهنت النوافذ واضواء السيارات باللون الازرق ..
ظهرت الكباريهات في كل مكان للترفيه عن الحلفاء .. خرجت نسوة حرائر من بيوتهن بحثاَ عن الطعام في جيوب الجنود ..
ولكن اين كنت انا .. اين كانت "مالكا" من كل هذا ؟!!
*********************************** ******
في عصر ذلك اليوم كنت اشعر باليأس الشديد من تدبير اجرة الشقة .. ولسوف ياتي صاحب البيت ويطالب بها ثم تبدا رحلة المماطلة والوعود وعدم الشعور بالامان في بيتك .. انت مهدد بالطرد وبيع اثاثك وذكرياتك وما بقي من كرامتك على يد المحضر القاسية !!
اخرجني من تلك الحالة الكئيبه دقات زائره على باب الشقة .. كانت صديقة قديمة تدعى "ليورا" .. احضرت معها بن ناشف وسبرتايه وسكر .. وبعد ان اعددنا القهوة وشربنا وثرثرنا افصحت عن سبب الزيارة ..
فصاحب “ستوديو ناصيبيان” بالظاهر الخواجه الارمنلي هرانت ناصبيان يبحث عن فتيات للظهور في افلامه .. فمع الحرب انتعشت صناعة السينما .. وهذا الاستوديو الذي بني في الظاهر سنة 1937 راجت احوال صاحبه مع الحرب .. حتى ان الاستوديو ضاق بالافلام التي تصور فيه فخرج المخرجون الى شقق حي الظاهر المفروشه وشوارعه وحواريه للتصوير !!
/ (/ />
اذاً الخواجة هرانت يبحث عن فتيات .. المصريات لا يعملن كراقصات في خلفية الافلام .. هن ممثلات او مغنيات او راقصات رئيسيات .. الحواشي من الفتيات يهوديات او يونانيات او ايطاليات متمصرات ..
قالت لي ان اجر الفتاة الصامتة في ساعة يعادل اجر يوم في"اوريكو" .. اما المتحدثه فيعادل اجرها الاسبوع .. واذا اجدت الرقص فسيكون يوم سعدي !!
*********************************** *****
لم يكن لدي وقت او مجال للاختيار او التدلل او التمنع .. اي شيء سيكون مجزي .. صامته او متحدثه او راقصه خلفيه ..
الرقص معناه التدريب اولاً ولا وقت لذلك الان ..
ذهبت مع "ليورا" الى ستوديو ناصبيان حيث يجري احد المخرجين اختبار بالكاميرا لعدد من الفتيات .. علمت ان جمال الوجه ليس كل شيء في السينما فالكاميرا تكره وجوه وتحب وجوه !!
هكذا قال المخرج بحماس : يعني البنت دي (واشار الي) زي القمر اهو .. لو الكاميرا بتحبها حتبين وشها ناعم وجميل .. لو مش بتحبها حتضخم كل عيوب وشها !!
وعندها ادركت ان حب او كره هذه الحديدة الملعونه سيحدد اجري ومكاني اثناء التصوير ..
*********************************** ***
نهاية الجزء الاول
اسمي "مالكا" ولدت بالمستشفى الاسرائيلي بحي "الظاهر" في القاهرة سنة 1921م ..
انتمي لاسرة من اليهود القرائين المصريين .. والدي كان يعمل صراف في بنك "الكنتوار الأهلي للخصم الباريسي" في القاهرة .. امي سيدة منزل .. ولي شقيقة وحيدة اصغر مني بعشر سنوات اسمها "نيتانيا" ..
/ (/ /> عائله يهودية - حي الظاهر القاهرة
توفي والدي في مايو من سنة 1939م .. كنت بالكاد قد انتهيت من دراسة الثقافة العامة في مدرسة "سيبل" بشارع سبيل الخازندار بالظاهر (المدرسة اليهودية المجتمعية – للأولاد والبنات) .. تبقى لي عام ادرسه لانال التوجيهيه ولكن هذا اصبح بحكم المستحيل بعد وفاة ابي ..
/ (/ /> مدرسة "سيبل" بشارع سبيل الخازندار بالظاهر ( المدرسة اليهودية المجتمعية – للأولاد والبنات)
تطوع العقلاء من ابناء الطائفة وحصلوا لي على عمل كبائعه في سلسة محلات "اوريكو" الشعبية التابعة للخواجة شيكوريل صاحب المحل الفخم في ميدان الاوبرا الذي يحمل اسمه "ليه جراند ماجازان شيكوريل" !!
/ (/ />
كيس ورقي من محلات شيكوريل
اجري كان جيد .. يكفي ايجار الشقة ومستلزمات الحياة الضرورية وبعض من ضروب الترفيه .. بل وحاولت ادخار بعض منه ..
لم اكد افيق من صدمة وفاة ابي وعبء تحمل مسؤليات الاسرة وظننت ان الحياة استقرت حتى كانت الكارثة !!
*********************************** **
لم تكن كارثة "مالكا" وحدها بل كارثة ضربت العالم كله .. ففي الاول من سبتمبر 1939م قامت الحرب العظمي الثانية .. لماذا وكيف والى متى ؟!! لم اكن اعرف .. كل ما تاكدت منه ان عالمي الصغير الذي بالكاد ابتسم لي قد ادار لي ظهره ..
زادت اسعار كل شيء مع كل قنبلة سقطت على ميناء اوربي فاغلقته .. الشاي .. البن ... السكر .. الدقيق .. السمن .. كل شيء ..
زادت اجرة البيت .. زادت تذكرة التروماي .. زادت فاتورة الكهرباء ..
ثم اختفت السلع حتى اصبح كيس الدقيق يوازي كيس الذهب من ندرته !!
اما اجري كبائعه في "اوريكو" فبقي على حاله ...
جنى الخواجة وابناءه وغيرهم ارباح طائله من فروقات اسعار السلع المخزنة .. ثروات هائله تكدست هنا وهناك .. وظهر اغنياء الحرب .. وفقراء الحرب ايضاً ..
في البداية حافظ الموظفون على كرامتهم ولكن كل شيء انهار بعد ذلك ..
امتلئت شوارع القاهرة بجنود الحلفاء من انجليز واستراليين ونيوزلنديين وهنود وافارقه .. تم بناء المخابيء تحت الارض ودهنت النوافذ واضواء السيارات باللون الازرق ..
ظهرت الكباريهات في كل مكان للترفيه عن الحلفاء .. خرجت نسوة حرائر من بيوتهن بحثاَ عن الطعام في جيوب الجنود ..
ولكن اين كنت انا .. اين كانت "مالكا" من كل هذا ؟!!
*********************************** ******
في عصر ذلك اليوم كنت اشعر باليأس الشديد من تدبير اجرة الشقة .. ولسوف ياتي صاحب البيت ويطالب بها ثم تبدا رحلة المماطلة والوعود وعدم الشعور بالامان في بيتك .. انت مهدد بالطرد وبيع اثاثك وذكرياتك وما بقي من كرامتك على يد المحضر القاسية !!
اخرجني من تلك الحالة الكئيبه دقات زائره على باب الشقة .. كانت صديقة قديمة تدعى "ليورا" .. احضرت معها بن ناشف وسبرتايه وسكر .. وبعد ان اعددنا القهوة وشربنا وثرثرنا افصحت عن سبب الزيارة ..
فصاحب “ستوديو ناصيبيان” بالظاهر الخواجه الارمنلي هرانت ناصبيان يبحث عن فتيات للظهور في افلامه .. فمع الحرب انتعشت صناعة السينما .. وهذا الاستوديو الذي بني في الظاهر سنة 1937 راجت احوال صاحبه مع الحرب .. حتى ان الاستوديو ضاق بالافلام التي تصور فيه فخرج المخرجون الى شقق حي الظاهر المفروشه وشوارعه وحواريه للتصوير !!
/ (/ />
اذاً الخواجة هرانت يبحث عن فتيات .. المصريات لا يعملن كراقصات في خلفية الافلام .. هن ممثلات او مغنيات او راقصات رئيسيات .. الحواشي من الفتيات يهوديات او يونانيات او ايطاليات متمصرات ..
قالت لي ان اجر الفتاة الصامتة في ساعة يعادل اجر يوم في"اوريكو" .. اما المتحدثه فيعادل اجرها الاسبوع .. واذا اجدت الرقص فسيكون يوم سعدي !!
*********************************** *****
لم يكن لدي وقت او مجال للاختيار او التدلل او التمنع .. اي شيء سيكون مجزي .. صامته او متحدثه او راقصه خلفيه ..
الرقص معناه التدريب اولاً ولا وقت لذلك الان ..
ذهبت مع "ليورا" الى ستوديو ناصبيان حيث يجري احد المخرجين اختبار بالكاميرا لعدد من الفتيات .. علمت ان جمال الوجه ليس كل شيء في السينما فالكاميرا تكره وجوه وتحب وجوه !!
هكذا قال المخرج بحماس : يعني البنت دي (واشار الي) زي القمر اهو .. لو الكاميرا بتحبها حتبين وشها ناعم وجميل .. لو مش بتحبها حتضخم كل عيوب وشها !!
وعندها ادركت ان حب او كره هذه الحديدة الملعونه سيحدد اجري ومكاني اثناء التصوير ..
*********************************** ***
نهاية الجزء الاول