faryak
12-31-2016, 10:14 PM
قصة : جناب القاضي المعظم ( هزلية )
- ملحوظة مهمة : هذه القصة تُكْثِرُ اللفَّ والدوران حول معاني الجنس ولا تُوَاقِعُها ( والتلاعب اللفظي مقصود) إلا نادرًا .. ثم هي بعدَ ذلك تَصِفُ عملية استمناءٍ كما يُسَمَّى ، ولا تصِفُ فعلًا جنسيًّا بين فردين .. فإنْ لم تكنْ لك هِمَّةٌ ( أيْ : رغبةٌ ) في ذلك ، فأعفِنا ونفسَك من عبء قراءتِها ، ولك الشكرُ في الحالين .. وشكرًا ..
- القصة :
وقف القاضي المبجل أمام المنصة لثوانٍ ؛ معطيًا الفرصة لرجلٍ كبيرٍ في السن لم يتمكن بعدُ من الانتصابِ واقفًا .. ذلك أنَّ الفترة القليلة التي استغرقَها دخولُ القاضي ومشيُه حتى وصل إلى مقعده خلف المنصة لمْ تكنْ كافيةً لركبتيه الضعيفَتين حتى ينبسطا تمامًا لتحملا جذعَه المُتْعَبَ على رجليه المرتعشتَينِ .. وعندما تمكن الشيخُ الطاعن في السنِّ من الوقوف احترامًا لجناب القاضي المعظم ... عندها جلس القاضي ، فجلس الوقوف بجلوسه .. وبدأتِ الجلسةُ :
الادعاء يحاولُ جاهدًا إثباتَ الجريمة الشنعاء التي قامَتْ بها المتهمة ..
والدفاع يحاول بإمكاناته المتواضعة تفنيد حجج الادعاء ، والتقدم بحجج لتبرئة ساحة المتهمة ..
والقاضي المبجل لا يبذل جهدًا في إخفاء قلقه الشديدِ من المهمة الجليلة التي وُكِّلَ بها بالنظر في هذه القضية عظيمة الأهمية التي شغلَتْ بال الأمة بكافة أطيافِها ...
فما الذي صنعَتْه المتهمة ؟
لقد خدَشَتِ الحياءَ ؛ بل خمشَتْه حتى ؛ غرسَتْ أظفارَها _ وكانتْ أظفارُها طويلةً _ في خدَّيِ الحياء ثم جذبَتْها إلى الأسفلِ فدمِيَ الخدان الحيِيَّانِ _ فلا شك أنّ خدي الحياء حييان _ حتى بكى ألمًا ، واستغاث بالقضاء المبجل فأغاثه .. ولنرجِعْ إلى ما قاله الادعاء وما قاله الدفاع من بداية سير الجلسة ، ونتابِعْ ذلك كله حتى ندرك التفاصيلَ :
الادعاء :
- « مقامَ القاضي المعظم ، المنَصَّةَ المبجلة ، الحضورَ .. إن الجريمة التي أوجبَتْ علينا الاجتماعَ اليومَ جريمة نكراء ، ولو قد شاعَتْ لقد شاع بشيوعها فسادٌ كثيرٌ ، وأدرك العدوُّ من هذه الأمة الشريفة ما لا يدركه منها بسلاح ولا جيوشٍ ؛ ذلك أنّ شرفَ الأمة هي أعزٌّ ما تملك ، وأنّ ذلك الشرف لو تمثلَ كائنًا حيًّا من لحمٍ ودمٍ لكان نساءَ هذه الأمة الشريفة الشريفات ، نحن _ يا مقامَ القاضي _ نبدأ باستئذان مقامكم الحديثَ بلا كنايات ولا مواربة حتى لا يُبْخَسَ المتضرِّرُ حقَّه في العقاب المناسب يُوقَعُ بالمُضِرِّ، كما لا تُبْخَسُ المتهمة حقَّها في محاكمة عادلةٍ »
جناب القاضي المبجل :
- « لكم ذلك »
الادعاء :
- « شكرًا جنابَكم . في يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من شهر يوليو من هذه السنة ، قامَتْ المتهمة بفعلٍ جللٍ يعصف بالحياء والأدب ويعفّي على القيم والأخلاق ، ذلك أنها _ مستترةً بالظلمة والوحدة _ قد عمدَتْ إلى بنطالِها شديد الضيق الذي يصوِّرُ ويصف ويشف ويحكي حكاياتٍ مطوَّلةً عن تفاصيل ما يُفْتَرَضُ به أنْ يغطيه ، أقول: عمدَتْ إلى هذا البنطال الذي هذه صفتُه ، وهو الحرزُ رقم ( 15- أ ) ، وحاولَتْ خَفْضَه بنيةٍ مبيّتةٍ من أجل الشروع في الجريمة التي نحن بصدد مناقشتِها .. وقد كان ينهى المتهمة عن إتمامِ جريمتِها الشنعاءُ ما عانَتْه من صعوبةٍ في زحزحة البنطال حتى ينزل - فإنه كان من الضيق بحيث تحتاج إزالتُه إلى جهد وقلقة وعناءٍ شديدٍ.. ولكنّ هذا كله لم ينْهَ المتهمةَ عن الاستمرار في جريمتها النكراء ، فعالجَتْ إنزالَ بنطالِها لفترةٍ طويلةٍ قبلَ أنْ تتمكن من زحزحتِه ، فلما تمّ لها ذلك ، نزلَتْ بيدها الآثمة إلى ما أودِعَتْه أمانةً لا يجوز فيها التصرفُ بدون إذن صاحبِها ، وهذه الأمانة هي عضوُها التناسليّ الذي منَحَتْه لها الطبيعةُ لتختبرَ به كفاءتَها والتزامَها وصكَّتْه بصكِّها لئلا تمتدَّ له يدُ العبثِ .. أقول : أقدمَتِ المتهمة بلا وازعٍ من خلق ولا ضميرٍ بيدها الجانية إلى مستقر شرف الأمة الذي هو بين رجليها ، فأراحَتْ راحتَها الفاحشةَ عليه كأنما هو ملكٌ لها تصنع به ما تشاء ، فما الذي وجدَتْه تلك الراحةُ الماجنةُ يا سيادة القاضي ، وجدَتِ الحرزَ رقم ( 14- أ ) المودَعِ في أحراز القضية ، ونحن نستأذن سيادتكم عرضَ هذا الحرزِ على الجمهورِ ليتبين له مدى النية الفاجرة المبيَّتَةِ لدى المتهمة على ارتكابِ جرمِها الشنيع »
جناب القاضي المبجل يسلم الحرزَ للادعاء ليعرضه على الجمهورِ ، وأمام تصاعدِ شهقات الاستنكار والغضبِ ، يضطر القاضي المبجل إلى إسكاتِ الجمع ، ويطلبُ من الادعاء الإكمالَ :
- « مقامَ القاضي المعظم ، المنَصَّةَ المبجلة ، الحضورَ .. ما هذا ؟! .. هل هذا جنسٌ من بيوت العناكب ؟ .. هل هو شبكة كرة قدم مما تودَعُ فيه الكرات المعدة للبيع لتُعَلَّقَ على واجهات البقالات ؟ .. لا هذا ولا ذاك سيادتكم .. بل هذا هو ما هرعَتْ يد المتهمة الجانية إلى شرف الأمة المودَعِ بين رجليها فاصطدَمَتْ به .. بهذا الذي لا يكاد يستر من عُرْيٍ ولا يدفئ من قرٍّ أوكلَتِ المتهمةُ حفظَ شرفِ الأمةِ كلِّها .. أفلا تُعَدُّ هذه تهمةً في ذاتِها ؟ .. وإني لأستأذن المنصة المبجلة وجناب القاضي المعظم مرةً أخرى أن أخوضَ في التفاصيل لا أكنِّي عن طبيعة هذا الجرم الفاحشِ »
جناب القاضي المبجل في تفهّمٍ :
- « لكم ذلك ، لكم ذلك »
- « شكرًا جنابَكم ... هذا يا سادة هو ما رَضِيَ قومٌ لا خلاق لهم أنْ تصطنع منه نساؤهم ملبوسًا يغطي _ بزعمهم _ موضع العورة .. وإذا أمْعَنَّا فيه النظرَ نجده خطَّيْنِ التقيا في نقطتين ، يشكل أحد الخطين نصف دائرة ، ويشكل الخط الآخر دائرة كاملة .. ولا يجرؤ التصوُّرُ الذي هذبَتْه الحضارة وشذبَتْه المدنية أنْ يستدعي صورةً يكونُ فيها هذا الشيءُ مغطّيًا _ لا ، بل كاشفًا _ لمكان العورة من سيدة فاضلة .. كيف ؟ .. كيف، وإنْ تتحرَّكْ تلك السيدةُ يَضْطَرَّ أحدُ الخطين للغوص فيما حقه أنْ يُسْتَرَ من النظر فما بالكم بالمسِّ فما بالكم بالضغط الشهواني الفاجر ؟! .. جنابَ القاضي .. لو كان هذا مقدارُ التهمةِ فحسبُ لظلَلْتُ أعدُّها موجبةً لأشد العقوبة ، فكيف وهذه هي المقدماتُ ولمَّا نصِلْ إلى الغايات الفاحشةِ بعدُ ؟ ..
مدَّتِ المتهمةُ يدَها إلى ما كشفه البنطالُ المزحزحُ بعد لأيٍ ، فاستراحَتْ راحتُها الآثمةُ على هذا الشيءِ الفاضحِ ، تقول المتهمة في اعترافِها أنها لمْ ترَ حاجةً لإزالتِه قبل أنْ تشرع في فعلِها المؤثَّمِ .. نقول نحن : صدَقْتِ ، لولا أنّ هذا الحرزَ في غلافٍ بلاستكي لما فطنَّا نحنُ أيضًا إلى وجوده !»
ضحكاتٌ في القاعة تجاوبُها ابتسامةٌ حزينة من جناب القاضي المعظم الذي الذي يهز رأسَ جنابِه في أسًى ، ويمنع جنابُه جنابَه بصعوبةٍ من إبداء سخطِه علنًا .. ويستمر الادعاءُ :
- « ثم تستمر المتهمةُ غيرَ عابئةٍ بشرفٍ ولا أخلاقٍ في محاكاةِ ما لا يصح أنْ يقَعَ في حق امرأةٍ إلا بينها وبين زوجِها كما قرَّرَتْ ذلك الأعراف والعادات والتقاليد ...
وليس هناك زوجٌ لها في هذه القضية فاضطَرَتِ المتهمةُ أنْ تعلبَ دورَ زوجِها ودورَ نفسِها معًا ، فصارَتِ الفاعلَ والمفعولَ به ، ووهَبَتِ المتعةَ الحرامَ وتلقَّتْها معًا ، وهاجمَتْ ودافعَتْ في الوقتِ ذاتِه ، وهذا ما لمْ يسمَعْ به أحدٌ في طبيعة ولا قانون ولا قاعدة لغويةٍ ولا مباراة كرة قدمٍ !
جنابَ القاضي المعظم ، أيُّ شيءٍ يَبْقى من خُلُقٍ أو شرفٍ وقد امتدَّتِ الأصابع الفاجرة المؤثمة إلى شرف الأمة كلِّه فحرَّكَتْه وأثارَتْه من غيرِ عقدٍ ولا إشهارٍ ؟!
جنابَ القاضي المعظم ، إنّ استحضار هولِ الجريمة الشنعاءِ يوجبُ علينا تصوَّرَ التفاصيلِ التي وقَعَتْ ، حتى يمْتَثِلَ أمامَ أعيننِا مقدارُ ما ارتكبَتْه المتهمةُ من جرمٍ بشعٍ ؛ وفي التفاصيلِ ما تنَزَّهُ الأسماعُ الشريفةُ المهذّبَةُ عنْ ذكرِه ، ولكنَّه قدرُنا أنْ نعالجَ الفظاعاتِ التي تنزلق إليها أقدامُ الخاطئين ، لأنه قدرُنا أنْ نكونَ الدرعَ الذي يحمي شرفَ الأمةِ وأخلاقَها من الفحش والفجور بإيقاع العقوبة المناسبة على مرتكبات أمثالِ تلك الفظاعات المنفِّرةِ ، ومع ذلك فإنني أستَسْمِحُ جنابَكم المعظمَ للمرة الثالثة في أنْ أخوضَ في تلك التفاصيلِ لحاجةِ القضيةِ إلى الخوضِ فيها .. »
- « فلْيَخُضِ الادعاءُ مشكورًا فيما يحتاجُ إلى الخوضِ فيه.. »
- « شكرًا جنابَ القاضي المعظم .
إنّ اللواتي جانَبْنَ طريق الرذيلةِ وحِدْنَ عنْ سُبُلِ الفسادِ قد يَسْمَعْن ما أفَضْتُ فيه قبل قليلٍ فلا تقدِرُ إحداهنَّ _ ولو أجْهَدَتْ نفسَها _ على تصوِّرِ طبيعة التهمةِ التي نعرضُها اليومَ .. ذلك أنّ هذه النسوة الفضْلَيَاتُ لم يرَيْنَ ولم يسْمَعْنَ بمثلِ هذه التهمةِ من قبلُ ..
إنَّ الطبيعةَ قدر غرسَتْ فطريًّا في نفوس النساءِ الميلَ إلى الرجالِ ، وغرسَتْ في النساءِ كرهَ الفحشاءِ والتطلعَ إلى الزواجِ كإطارٍ مقبولٍ _ ومقبولٍ وحدَه_ لممارسة ما تتطلع إليه نفوسهنَّ من لذة مباحةٍ مع رجلٍ واحدٍ فقط .
هذا . ولكنّ بعضَ النساء _وهذا البعض نادرٌ لحسْنِ حظِّ أمَّتِنا الشريفة _ تزيغ عنْ هذه الطبيعة الفطرية فلا تنتظر حصولَ الزواجِ قبل أنْ تمارس فعلًا لا يليق خارج المؤسسة الزواجية .. فهذه جريمة شنعاءُ مؤثمة .. ثمَّ :
ثمَّ ، إنَّ بعضَ النساءِ لا تكتفي بهذا ، بل تَعْمَدُ إلى فطرتِها التي وُهِبَتْها فتُحَرِّفَ فيها ، فتَجْعَلَ سبيلَها إلى إشباعِ رغباتِها _التي صارَتْ محرَّمةً _ شخصًا من مثلِ جنسِها ، وهذه جريمةٌ لا تعدلها جريمةٌ ، وليس أحقرُ منها في تصوّرِ الفضلاءِ وأهلِ العفةِ .. بل ثمة ما هو أحقرُ :
إنَّ بعضَ النساء لا تكتفي بهذا ، حتى تجْعَلَ ذلك الشخصَ الذي هو من مثلِ جنسِها والذي أشبعَتْ رغبتَها المحرمة بممارسة العملية الجنسية معها ، أقول : تجعل هذا الشخص هو نفسَها ! وإنّ اللغة لتنوءُ بأداءِ هذا المعنى الفاحش الفاجرِ ؛ كيف يصلُ التدني الأخلاقي بالمرأةِ إلى أنْ تَتَصوّرَ أنَّ جسدَها هو نفسَه مصْرِفٌ لشهوتِها ؛ فتنْكِحَ يدَها !! »
شهقاتٌ من الدهشةِ تتناثر في القاعةِ في ذهولٍ ..
- « هذا يا أيها السادةُ الفضلاءُ هو الجُرْمُ الذي نناقشُه اليومَ .. ولكمْ تمنَّيْتُ أنْ يوَكَّلَ بهذه القضيةِ غيري حتى لا أضطرَ لقولِ ما قلْتُه، ولكنّه قدرُنا أنْ نخوض فيما يكره أي عفيفٍ الخوضَ فيه ؛ لا لشيءٍ إلا لحرصِنا على إرساء دولة القانون التي تحفظ المجتمعَ في شرفِه وأخلاقِه قبلَ أن تحفظَه في صحته ومالِه ومقدَّراتِه..
صنعَتِ المتهمةُ ما ذُكِرَ .. جعلَتْ يدَها لها زوجًا تخصه بما تخص به المرأةُ زوجَها ، ولقد خضعَتْ ليدِها خضوع المرأة لزوجِها ، وأدرَكَ تنفُّسَها من البهرِ والشهقاتِ ما يدرك تنفسَ المرأةِ من ذلك لفعلِ زوجِها ، ولعلها _ أقول : لا يبْعُدُ_ قد خاطَبَتْ يدَها خطاب العاشقة الولهانةِ تستحثُّها على المزيد ، وتظْهِرَ لها اللذةَ والنشوةَ بفعلِها ؛ وهذا ما تعفٌّ كثيرٌ من النساءِ العفيفاتِ عنه حتى مع أزواجهِنَّ .. فما الذي بقي ؟!
أيصيرُ في أيدي النساءِ بديلٌ عن زواجهنَّ من الرجالِ ؟!
أيخطِبُ الواحدُ منا امرأةً فيقولَ له أبوها : سبقَتْكَ يدُها يا بنيّ ، فابنتي عنْكَ _ وعنْ آلة التناسلِ منك _ في شُغُلٍ بيدِها ؟!
وهلْ نضمنُ _يا سادة _ أنّ احتدام اللحظة وشدة الشبق لنْ يزيدا في الرغبة الآثمة للخاطئاتِ فتقتحم اليدُ البابَ بدلًا منْ أنْ تتمسحَ به ؟
وهل نضمنُ _يا سادة_ أنّ هذه اليدَ الفاجرةَ الآثمةَ ستدخلُ البابَ وتنتهي إلى غرفةِ الجلوس ؟
وماذا إذا أرادَتْ أنْ تصلَ هذه اليدُ الآثمةُ _ في تلك اللحظة الشهوانية المحرمة الطاغية _ إلى غرفة النومِ ، وكانتْ غرفةُ النومِ عليها حجابٌ ، حجبَتْها به الطبيعةُ لتختبرَ ببقائه شرفَ الأمةِ وعفّتَها - أقول : منْ يضمنُ أنّ تلك اليدَ التي ضربَتْ بالأعراف عرض الحائط ، لنْ تخرق الحجابُ فينتهي باختراقه كل شيءٍ ؟
كل التربية ، وكل العلم ، وكل الأدب ، بل وكل الصناعة والزراعة والصحة والرفاهية ، وكل ما بناه الأسلاف للأخلاف ، وما أتمَّه الأخلاف على صُنْعِ الأسلاف ، كل شيءٍ سينعدم في تلك اللحظة ، وما تلك اللحظة بالمُسْتَبْعَدَةِ ، فإنَّ اليد الآثمة كانَتْ تحتكُّ بالحِمَى فهي توشك أنْ تقع فيه !!
فمَنْ يضْمَنُ ألا تقعَ فيه ؟!
هذا أيها السيدات والسادة هو حجمُ الجرمِ الهائل الذي نجدُ أنفسَنا اليوم واقفِينَ أمام مرتكبتِه .. فنحن نطالبُ بإيقاع أقصى عقوبةٍ على المتهمةِ ، وأنْ يُنْزَلَ بها من صنوف البأسِ والتنكيلِ ما يجعلُها عبرةً لمَنْ تسوِّلُ لها نفسَها تكرارَ مثلِ هذا الفعلِ ، والسلام . »
جنابُ القاضي المعظم يهمُّ أنْ يصدرَ الحكم مباشرةً ليكون في ذلك بيانُ مدى هولِ الجريمة المُرْتَكَبَةِ ، ولكنَّ حِلْمَه البالغ ، وعدلَه المطلقَ ، وحيادَه المُفْرِطُ يَحْمِلُه على منْحِ الدفاعِ الفرصةَ ليلقي مرافعَتَه ، فَتُمْنَحُ الكلمة للدفاع ، الذي يُصْلِحُ من هيئة " الروب " عدة مراتٍ قبلَ أنْ يندفَع في الكلامِ وكأنّه يستظهر نصًّا مكتوبًا :
- « حضرة القاضي ، نحن أمام قضية مهمة ، لا بد مِنْ أنَّ نفتح آذانَنا ومخَّنا جيدًا حتى لا نقع في أخطاء ونندم عليها فيما بعد .. »
جناب القاضي المعظم ينظر في رثاءٍ للدفاع المُرْتَبِكِ ، بينما يواصلُ الدفاعُ مرافعتَه :
- « أول نقطة .. سيدي .. أول نقطة .. هي .. سيدي.. »
نظراتُ الرثاء تنهمِرُ على المحامي صغيرِ السنِّ الذي يحاولُ تذكرَ أولِ نقطةٍ ..
- « نعم .. نعم .. نعم ، أول نقطة هي أنّ المتهمة قد عاشَتْ حياةً صعبةً جدًّا بدون أبيها الذي مات وهي صغيرة ، فلم تجد رقابة جيدة في نشأتها ، لتتعلم الأخلاق المهمة في تكوين المواطن الإيجابي ..وهذا يُحْسَبُ لها »
الادعاء يدافع الضحكَ بصعوبة ، بينما يكمل الدفاع :
- « ثاني نقطة أنّ هناك الكثير من المواقع الإباحية تشيع أفعالاً سيئة في الناشئين ، ولا تقوم الوزارات المختصة بحجب هذه المواقع ، وهذه نقطة أخرى تحسب للمتهمة ..
ثالث نقطة وهي نقطة هامة جدًا ، وهي أنّ المتهمة كانتْ في مكانٍ خاص عند إلقاء القبض عليها الذي لم توضح النيابة إنْ كان حصل بعد إذن تفتيش ، وما سبب إذن التفتيش لو كان حصل ؟ »
كان المحامي الصغير قد وقع _ سهوًا _ على شيءٍ مهم ، فانفجر الادعاء فيه :
- « إن ما تعانيه أمتُنا من مخاطر وجودية يُحَتِّمُ التكاتفَ مع جهات الرقابة وإنفاذ القانون ، وليس التشكيك في كفاءتِها ؛ لا يوجد شخصٌ يُقْبَضُ عليه بدون إذن قضائي . وإن اشتغال الدفاع بالمحاماة كان يُفْتَرَضُ أنْ يفتح عينيه على هذه الحقيقة الراسخة »
ووجد جناب القاضي المعظم أنّ عليه أنْ يؤكد على هذه النقطة المهمة :
- « نرجو من الجميع احترام المجهودات الفائقة التي تبذلها جهات الرقابة وإنفاذ القانون ، وإلا سنضطر لمعاقبة من يصرح أو يلمح بوقوع تجاوزاتٍ من قبل هؤلاء الأبطال المثاليين »
الخوفُ يظهر على ملامح المحامي الصغير ، الذي كان قدْ فرِح بأنْ كلَّفَتْه المحكمة بالترافع لأول مرة في حياته في هذه القضية ، غيرَ عالمٍ أنّ المتهمة قد حاولَتْ جاهدةً البحثَ عن محامٍ يترافع عنها ، ولكنهم رفضوا جميعًا ، فلجأتِ المحكمةُ إليه ..
ولكنِ الآنَ يبدو أنه على وشك أن يُعَاقَبَ أو أن يُحْبَسَ .. وهذا خطرٌ :
- « المعذرة يا حضرة القاضي .. المعذرة .. هذه نقطة ليسَتْ في محلها تمامًا .... على أية حال ..
النقطة الرابعة : هي أنَّ المتهمة قد أظهرَتْ أسفَها الكبير .. وتجاوَبَتْ بكل شفافية مع طلبات النيابة .. واعترفَتْ بكل شيءٍ .. وهذا يُحْسَبُ لها ..
أيضًا أريد أنْ أعقِّبَ على التهم التي ذكرها الادعاء .. أعني .. أهم تهمة أثارَتْ اندهاش الناس .. وهي مسألة البنت والمدام .. أعني "البكورية" .. أريد أن أشير إلى تقرير الشرطة الخاص بكشف البكورية .. ويصر على أنّ موكلتي بنت .. فموضوع الباب وأودة النوم والحمام .. كل هذا لم يحصل »
ضحكات خافتة ، بينما الادعاء ينظر في غيظ إلى المحامي الذي فطن بعد فوات الأوان إلى ما في عبارته من سخرية لم يتعمَّدْها ، فشعر بالخوف .. ولكن حمل نفسَه على التماسك، لينهي مرافعتَه بطلبٍ غريبٍ :
- « وفي النهاية أتقدم بطلب استجواب للمتهمة »
جناب القاضي المعظم يهمُّ برفض الطلبِ لما فيه من تعريضٍ للجمهورِ لكلام متهمة بجريمة فحش عظمى ، ولكنّ حيادَه الفائق يجبرُه على منحِ المتهمة ودفاعِها حقوقَهم كاملةً :
- « لك ذلك .. »
تتقدم المتهمةُ بينما العيونُ تلتهمها وتتصور حالَها وهي ترتكب تلك التهمة الشنيعةَ .. وتُهَزُّ الرءوس في أسًى على الشابة الجميلة التي كان بوسعها أنْ تسلك طريق الاستقامة وأنْ تكون زوجة مطيعة لرجل مهمّ .. ولكنها اختارَتْ الانحراف .. وتبدأ الأسئلة التي يحاول بها الدفاع المبتدئ استعطاف السامعين :
- « ما هو سنكِ ؟ »
- « خمسة وعشرون سنة . »
- « لماذا لم تتزوجي بعد ؟ »
- « لم يتقدمْ أحدٌ ليخطبني . »
- « لماذا ؟ »
- « إنّ عمّي كان يطلب مهرًا ضخمًا من الخاطبين ، حتى عرف الجميع بذلك ، ولم يعُدْ أحدٌ يخطبني »
- « وما هو الحلّ ؟ ما هي خططك للتغلب على رفض عمك للخاطبين ؟ »
المتهمة ترفع كتفيها وتخفضهما في قلة حيلة ..
- « سيدي القاضي .. هذه نقطة أخرى تحسبُ للمتهمة .. التي اجتمعت عليها الظروف القهرية بما فرض عليها .. »
الادعاء يضطر للمقاطعة بدون استئذانٍ :
- « أعتقد أنّ الدفاع لا علمَ له بمعنى الظرف القهريّ على ما يبدو .. أنا أطلبُ الحق في استجواب المتهمة »
في ظروف أخرى كان جناب القاضي المعظم ليَعْتَرَضَ على هذه الطريقة في المقاطعة ، ولكنْ بسبب الموقف الأخلاقي المهم الذي يتبنى الادعاءُ الدفاعَ عنه ، فقد سمحَ له جناب القاضي المعظم بذلك ، متغافلًا عن اعتراض المحامي الصغير الذي لم يُكْمِلْ أسئلتَه بعد .. وبدأ الادعاء :
- « أيتها المتهمة ، ذكَرْتِ في اعترافك للنيابة أنّكِ شعَرْتِ بالضجر في ليلة وقوع الحادثة ، ففَكَّرْتِ في القيام بتلك الجريمة البشعة دفْعًا للملل .. هل هذا هو الدافع للجريمة ؟ دفعًا للملل ؟ »
المتهمة تنظر لمحاميها ، وكأنها تطلب منه هو الآخر أن يقاطع صاحبَه دفاعًا عنها .. ولكن محاميها ينشغل بتقليب أوراق القضية تجنبًا للنظر إليها ، فتضطر للإجابة :
- « هناك دوافع أخرى أيضًا .. عمي لم يقبَلْ بتزويجي لـ .. »
الادعاء يقاطع في الوقت المناسب :
- « ولكنّ هذا ما ذكرْتِه في اعترافكِ ، هل تقولين إنَّ الاعترافَ الذي وقَّعْتِ على صحتِه حوى مغالطاتٍ ؟ »
- « ليسَتْ مغالطات ، ولكن هناك أسباب أخرى اشتركَتْ في الأمرِ مثل عدم وجود .. »
مرة أخرى مقاطعة محسوبة :
- « لماذا لمْ تذكري ذلك في اعترافكِ ؛ وجود أسباب أخرى ؟ »
- « لقد كنْتُ منهكةً عندما أدليْتُ بالاعتراف بعد كلِّ ذلك الـ .. »
الادعاء يتحسس مسدسَه ، وبما أنه لا يحمل مسدسًا فقد بدا وكأنه يشتكي ألمًا في خاصرتِه ، ويقاطعها في منطقة الجزاء :
- « منهكةً ؟ منهكة لماذا ؟ هل هناك أي شكوى من ظروف التحقيق ؟ أو مشكلة واجهَتْكِ أثناء اعتقالكِ ؟ »
المتهمة تفطنُ إلى ما يرمي إليه :
- « لا ، لقد كان الجميع لطفاء ومهذبين . »
يكف الادعاءُ عن تحسس مسدسه ، ويتنهد في ارتياحٍ ، ثم يضيف :
- « حسنًا ، أخبرينا إذًا عن ظروف تلك الجريمة ، الدافع كان الشعورَ بالملل كما اتفقْنا ، لا يوجد دافع وجوديّ أو قهريّ كما قال الدفاع قبل قليلٍ .
ولكنْ هل ما كنْتِ ترتدينه آنذاك _ وقد ذكرْتِ ذلك أيضًا في اعترافكِ ، كما أن قوات الرقابة وإنفاذ القانون قد تحفَّظَتْ على ما كنْتِ ترتدينه آنذاك _ هل ما كنْتِ ترتدينه آنذاك قد قرَّرْتِ ارتداءه بعد شعورك بالملل ، أم قبل ذلك ؟ »
- « بعد شعوري بالملل ؟ »
- « حسنًا ، أنا واثقٌ أنكِ لا تتعمدين الكذبَ ، ولكنْ إنْ كان هذا هكذا ، فمتى اشتريتِ تلك الملابس الداخلية الفاضحة إذن ؟ »
المتهمة لا تزال في عدم تصديقٍ من الحديث عن خصوصياتها بهذه الصراحة أمام الناس ، وترد في خجلٍ :
- « لقد ذهَبْتُ مع صديقة لي متزوجة إلى محل لهذا النوع من الملابس .. واشترَتْ هي شيئًا فاشترَيْتُ مثلَه .. »
الادعاء يقاطع بغضبٍ :
- « ولكنها اشترَتْه لزوجها ، وأنتِ اشترَيْتِه لمَنْ ؟ ليدِكِ ؟ »
- « ربما أكونُ اشتريْتُه لزوجي القادمِ ! »
- « ولكنكِ قدْ ذكرْتِ أنّ الخاطبين قد كفوا عن زيارتكم ، مِنْ أين سيأتي زوجُكِ القادم ؟ »
- « وهذه حجة لي أم حجة عليّ ، يا سيدي القاضي ؟! »
شعر الادعاء بفخر عميم عندما خوطب بهذا اللقب ، ولكنه استدرك عليها بسرعةٍ :
- « أنا لسْتُ جنابَ القاضي المعظم .. ونعود لسؤالِنا : ما الذي جال بخاطركِ عند شراء تلك القطعة من الملابس الزوجية ؟ »
- « لقدْ أرَدْتُ أنْ أبدو جميلةً .. هذا كلُّ ما أرَدْتُه .. »
- « لِمَنْ ؟! جميلة لِمَنْ ؟! هذا هو مربط الفرس »
- « جميلة لنفسي !! لماذا يتوجب وجودُ شخصٍ آخرَ أكونُ جميلةً له ؟! »
تلتمع عينا الادعاء بالظفر ، ويتوجه لجناب القاضي المعظم بالخطابِ :
- « شكرًا جنابَ القاضي المعظم ، هذا كلُّ ما لديّ من أسئلة »
جناب القاضي المعظم لا يخفي انزعاجَه من الإجابة المستهترة المتبجحة .. ويتلو الحكم في عجلةٍ موقِعًا بالمتهمة أقصى عقوبة يسمح بها القانونُ لتهمِ إشاعة الفحشاء ، وتدمير قيم المجتمع، وارتكاب جرائم تهدد السلم والأمن العالميين ، وزيادة الاحتباس الحراري في الكوكب ، والطعن في شرف الأمة ، واحتقار أهيمة الذكور في المجتمع ، بما يشمل الذكور العاملين في مجال الرقابة وإنفاذ القانون بما له من قدسية خاصة.. وعشرات الجرائم الفظيعة الأخرى التي يكفي أيٌّ منها لبلوغ حبل المشنقة ..
فلما أتمَّ تلاوةَ الحكمِ غادرَ القاعة مسرعًا لئلا يجمعه ومرتكبةَ هذه الفظاعاتِ مكانٌ واحدٌ .. يا للشرفاء من الرجال ، وما يتكلفونه من أجلِ تقويم المجتمع وبتر الخلايا السرطانية التي تدب فيه .. وا رحمتاه لهم !
**************
- « لا تسمَحْ لأحدٍ بالدخولِ »
- « حاضر يا سعادة الباشا ، أمرك يا سعادة الباشا »
يستقر جنابُ القاضي المعظم على كرسيِّه الوثير خلف مكتبه الفخم ، وقد أوصى بألا يدخلَ عليه أحدٌ مكتبَه الشريفَ ..
صورةُ المتهمة التي حكم عليها قبل ثوانٍ لا تزال في مخيلتِه الشريفة .. وملامحها الجميلة الدقيقة تثير فيه معاني الرثاء والأسى لسلوكها الطريق المنحرف .. كل هذا الجمال ينتهي إلى هذا المصير المؤسف ، ولكنْ ما حيلتُه ؟ هي مَنِ ارتكَبَتِ الجرمَ وأوجبَتْ على نفسِها العقوبة ..
ولكنها شديدة الجمال ، شفتاها الدقيقان ينضغطان في غضبٍ خالبٍ للبِّ بينما عيناها تبحثان عن هدفٍ تصبّ عليه غضبَها ، قبل أنْ ينفتح الفمُ الدقيقُ عن صفين من اللؤلو _ كما يقول الشعراء العرب_ لتقول بغضبها اللطيف _ إن صح أن يكون الغضب لطيفًا _ :
- « جميلة لنفسي !! لماذا يتوجب وجودُ شخصٍ آخرَ أكونُ جميلةً له ؟! »
يا للفِتْنةِ الفاجرة ! وإنْ كان جناب القاضي المعظم يعذرها بعضَ العذرِ ، فهي من الجمالِ بحيث يصعبُ عليها أنْ تحبَّ غيرَها ، الأعلى جمالاً لا يرغب في الأدنى منه ، فلا بد أنّ الأعلى جمالاً يحب نفسَه بالضرورة .. ولكنْ ماذا عنِ الرجالِ ؟ لو تمَّتْ هذه القاعدة لتزوجَتِ النساءُ النساءَ ، وبقي الرجالُ بلا زوجاتٍ ، ولا يمكن أن يُسْمَحَ بهذا ؟
ولكنها شديدة الجمالِ ، منظرُها وهي ترتكب التهمةَ التي حَكَم عليها بسببها قبل قليلٍ ، لا يسهلُ على التصوّرِ تجاوزُه .. عاريةً أو تكادُ .. مستلقيةً تمامًا أو تكاد .. أصابعها التي تكاد من ليونتها تخلو من العظام .. تنحدر لتلمس المحذورَ ؛ وقوع الفراشِ في النارِ .. ومَنْ يلومُ الفراشَ ؟
ثم تحدث المماسّةُ فتصرخ الأعصابُ الحسيةُ بالمخِّ في إلحاحٍ طفوليٍّ مزعجٍ: " المزيدَ! المزيدَ ! " .. ويستجيب المخُّ فيأمرُ اليدَ الرخصةَ بزيادة التماسِّ .. فتفعلُ اليدُ ما أمِرَتْ ... ولكنْ هناك قماشٌ رقيقٌ _ هو الحرز رقم 15_ يحولُ بين اليدِ وبين مطلق المماسّة ، فيأمرُ المخُّ اليدَ أنْ تزيل ذلك القماشَ من الصورةِ فتكتفي اليدُ الفَطِنةُ بزحزحته قليلًا جهة اليمين فينكشف كل شيءٍ .. فما كان الداعي إليه إذَن ؟ .. ويخلو الجوُّ لليد فتروح وتجيء ، وتتضامّ الأصابع لتمرَّ مرورًا عامًّا غير مدققٍ على المنطقة محلّ المسحِ ، ثم تكتشف في هذا المرور السريع مناطق عالية الكثافة الحسية ، فتتوجه إليها الأصابع كل إصبع على حدة ، ثم يسْمَعُ بالخبرِ الثديان في الأعلى فيلجان بالصراخ حتى تلتقمهما إحدى اليدين الرخصتين قبضًا ومسحًا وعركًا ، فيهدأ ما بهما بعض الشيءِ ..
ويرى جناب القاضي المعظم أنَّ في تصوّرِ هذه التهمة الآثمة المؤثمة ما يحرك في النفس معاني الفتوة والنشاط ، وهي في الرجال نقيض ما هي في النساء ، فإنها محمودةٌ في هذا الموضع موجبة لأشد العقوبة في ذلك .. فتمتد يد جناب القاضي الشريفة إلى بنطاله الشريف لتخفف الضغطَ بزيادة المساحة كما يقرر ذلك علماء الفيزياء .. ولا سبيل إلى زيادة المساحة إلا بحل عقدة البنطال وإنزال سحابته كما ينص على ذلك السادة الخياطون .. ولأنَّ جنابَ القاضي المعظم تضطره مهنتُه للإلمام بما أمكنَ من سائر العلوم المختلفة ، فإنه كان على وعيٍ بذلك كلِّه .. ولم يمضِ كثيرٌ حتى كانَتِ مساحة قمة البنطال قد انفتحَتْ على الغرفة فخرجَتِ المادةُ _ في صورتها الأسطوانية الصلبة _ من الضغط الأعلى إلى الضغط الأقل كما تنص على ذلك النظرية الأسموزية .. وعاد القاضي لتصور التهمة التي قضى فيها بأخرة..
ابنة الخامسة والعشرين تتناوب يداها اليمنى واليسرى إشباع حاجة جسدها العليا والسفلى .. فأما العليا ففيها خلاف ؛ يقول بعض العلماء هي من أعضاء الجنس ومن هنا كان كشفُها ككشف المهبل سواءً بسواءٍ . ويقول آخرون بل هي للإرضاع بخاصة فلا بأس في انكشافِها ، وأنَّ إيلاءها مهمةً جنسيةً فيه معنى من معاني الانحراف عن السبيل المستقيمة .. ولو لمْ يكنْ جنابُ القاضي المعظم مشغولًا بحاجته السفلى ، لأسهم في خلافهم ذاك بالحجة الدامغة والدليل البين ، ولكنه عنهم في شُغُلٍ ..وأما الحاجة السفلى فلا خلاف فيها بين ذكر ولا أنثى ؛ هي موضع التناسل ، ومحل الموضوع الجنسي السوي على ما يقر به علماء النفس الكبار .
ثم إنَّ ابنةَ الخامسة والعشرين المنحية سروالَها الداخليّ _ إن جاز تسمية هذا الهباهب بهذا الاسم _ المنشغلة بما تحته _ مما لم يَعُد تحتَه ، وإنما صار إلى اليسار منه ، بعد تنحيته _ عما حولَها .. قد فاجأتْها قواتُ الرقابة وإنفاذ القانون وهي على وشك إنفاذ القانون الطبيعي الذي ينص على أنَّ لكل فعل ذروةً ثم انحسارًا ، وكانَتْ على وشك بلوغ الذروة قبل أنْ يقتحم غرفتَها المغلقة هؤلاء الرجال المحترفون ذوو الكفاءة القتالية الهائلة .. والحق أنَّ جنابَ القاضي المعظم _على الرغم من تهديدة للدفاع صغير السن قبل قليلٍ _ كان يجهل الظروف التي أدَّتْ بقواتٍ شديدة الكفاءة والتدريب أنْ تدخل بيتًا ليس فيه إلا امرأة وابنتها الشابة في منتصف الليل ، ولكنّ أسئلةً كهذه تثيرُ القلق والشك وتضعف الإيمان واليقين ، ثم لا يستفيد المرء شيئًا من إجابتِها ..
ويقول ملف القضية إن القوات عالية التدريب قد اضطرَتْ للتعامل مع الجريمة بالكفاءة المطلوبة فتم نزع المُنَحَّى جانبًا حتى يُتَحَفَّظَ عليه كحرزٍ ، وتم لفُّ الشابة الحسناء _ التي صارَتْ عاريةً بالكلية بعد نزع ذلك الشيء الخيطيّ _ في ملاءةٍ بيضاءَ ؛ لأنه قضتِ الخبرةُ أنّ الملاءة البيضاء تصف ما لا تصفه غيرُها من تفاصيل الجسم وانحناءاته كلما ارتج أو اهتزّ أو اضطرب ، ويقول أهلُ العلم بالشأنِ إنّ للأبيض من الملابس _ خاصة ما لاصق الجلدَ منه بلا حائل _ حالٌ عجيبة في الكشف والتوصيف ، ذلك أنَّ البياض الغالبُ فيما يغطيه شدةُ ظهور الانبعاجات المختلفة مهما كانَتْ صغيرةً ، فإذا كان شفافًا فهو الغاية القصوى في هذا الباب، بخلاف الأسود مثلًا الذي يحتاج إلى إعمال نظرٍ شديدٍ حتى تتبين حدود كل انبعاجٍ وتسطحٍ ..
فلما لُفَّتِ المتهمةُ في هذه الملاءة البيضاء ودخلَ منها ما دخل فيما قابله من أخاديد ثم انحشر ثم لم يخرجْ .. ووصف منها ما وصف ما تحته من كثبانٍ رجراجة ثم لم يَكتمْ شيئًا .. وقسمٌ ثالثٌ اقتربَ من الجسد البضِّ فلاقى بللًا لا يخفى سببُه فالتصق به فإنْ لمْ يكُنْ شفافًا من قبلُ فقد صار شفافًا حينئذٍ في أهم مكانٍ وأحقه بالسترِ .. وبقيَتِ المتهمةُ على هذه الهيئة دعوةً مفتوحةً للنظرِ ليلتهمها التهامًا حتى تُكُرِّمَ عليها بشيءٍ غير فاضحٍ لترتديه .. ولا بد أنها نزعَتِ الفاضح لترتدي غير الفاضح ، ولا بد أنّ المزيد من الأسرار قد انكشفَتْ خلال تلك المرحلة الانتقالية ..
كان جناب القاضي المعظم على وشك الفراغ مما بدأه ، فانصرف ذهن جنابه الشريف إلى الغايات متجاوزًا الوسائل ، وتصور المتهمة _ التي صارَتْ مجرمةً الآن بعد الحكم عليها _ وقد صارَتْ تحته وقد أغناها هو عنْ يدِيها جميعًا بيديه الشريفتين وبغير يديه من الأعضاء الشريفة الأخرى .. وبعد استحضار ذهنه الشريف لهذه الصورة لتلك الفتاة غير الشريفة لم تحتَجْ يدُه الشريفة سوى انزلاقين وضغطتين وقبضة ثم خرجَتِ المجرمة الآثمة من خياله .. بصورة مؤقتة على الأقل ..
وفي ذهن جناب القاضي المعظم الشريفِ خطرَتْ فكرةٌ أخيرةٌ فيها شيءٌ من الندم ، فهي تميل إلى التفكير العاطفي الخوار ، ولا شك أن هذه الفكرة قد نتجَتْ عن تلك الحالة التي صار إليها جناب القاضي المعظم بعد إفراغ هذه الشحنة من القلق والتوتر .. وعاد إلى نفسِه يؤنبها على ورود هذه الفكرة المؤنبة ، فما الذي صنعه جناب القاضي المعظم ليُلَامَ عليه ؟! نعم ، إنَّ ما تعرَّضَتْ له الفتاة من ذهابٍ لخصوصيتِها ، وعرضٍ لفضيحتِها على العالمين ، وحبس واستجواب لا يبعدُ أن يكون فيهما شيءٌ من القسوة ، ثم فوق هذا كله عقوبة من أشد العقوبات إن لم تكن أشدَّها .. نعم إن في هذا كلِّه قسوةٌ بالغةٌ ونكالٌ أليمٌ ، ولكنَّ السؤالَ هو :
ذَنْبُ مَنْ هذا كله ؟
ذنبُها هي ولا ريبَ ، منذ اشترَتْ تلك الملابس الداخلية الفاضحة إلى أنْ فعَلَتْ ذلك الفعلَ المجرم المؤثم إلى أنْ صرَّحَتْ بتبجح في حضرة جناب القاضي المعظم والحاضرين أنَّها تتزيَّنُ لنفسِها ؛ هكذا صراحةً بلا حياءٍ ولا ارعواءٍ .. فما الذي كان بيد جناب القاضي المعظم إلا العقوبة القصوى الرادعة ..
فإنْ يكُنْ في هذا ظلمٌ فعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء !!
-------- ( تَـــمَّـــتْ ) ----------
- ملحوظة مهمة : هذه القصة تُكْثِرُ اللفَّ والدوران حول معاني الجنس ولا تُوَاقِعُها ( والتلاعب اللفظي مقصود) إلا نادرًا .. ثم هي بعدَ ذلك تَصِفُ عملية استمناءٍ كما يُسَمَّى ، ولا تصِفُ فعلًا جنسيًّا بين فردين .. فإنْ لم تكنْ لك هِمَّةٌ ( أيْ : رغبةٌ ) في ذلك ، فأعفِنا ونفسَك من عبء قراءتِها ، ولك الشكرُ في الحالين .. وشكرًا ..
- القصة :
وقف القاضي المبجل أمام المنصة لثوانٍ ؛ معطيًا الفرصة لرجلٍ كبيرٍ في السن لم يتمكن بعدُ من الانتصابِ واقفًا .. ذلك أنَّ الفترة القليلة التي استغرقَها دخولُ القاضي ومشيُه حتى وصل إلى مقعده خلف المنصة لمْ تكنْ كافيةً لركبتيه الضعيفَتين حتى ينبسطا تمامًا لتحملا جذعَه المُتْعَبَ على رجليه المرتعشتَينِ .. وعندما تمكن الشيخُ الطاعن في السنِّ من الوقوف احترامًا لجناب القاضي المعظم ... عندها جلس القاضي ، فجلس الوقوف بجلوسه .. وبدأتِ الجلسةُ :
الادعاء يحاولُ جاهدًا إثباتَ الجريمة الشنعاء التي قامَتْ بها المتهمة ..
والدفاع يحاول بإمكاناته المتواضعة تفنيد حجج الادعاء ، والتقدم بحجج لتبرئة ساحة المتهمة ..
والقاضي المبجل لا يبذل جهدًا في إخفاء قلقه الشديدِ من المهمة الجليلة التي وُكِّلَ بها بالنظر في هذه القضية عظيمة الأهمية التي شغلَتْ بال الأمة بكافة أطيافِها ...
فما الذي صنعَتْه المتهمة ؟
لقد خدَشَتِ الحياءَ ؛ بل خمشَتْه حتى ؛ غرسَتْ أظفارَها _ وكانتْ أظفارُها طويلةً _ في خدَّيِ الحياء ثم جذبَتْها إلى الأسفلِ فدمِيَ الخدان الحيِيَّانِ _ فلا شك أنّ خدي الحياء حييان _ حتى بكى ألمًا ، واستغاث بالقضاء المبجل فأغاثه .. ولنرجِعْ إلى ما قاله الادعاء وما قاله الدفاع من بداية سير الجلسة ، ونتابِعْ ذلك كله حتى ندرك التفاصيلَ :
الادعاء :
- « مقامَ القاضي المعظم ، المنَصَّةَ المبجلة ، الحضورَ .. إن الجريمة التي أوجبَتْ علينا الاجتماعَ اليومَ جريمة نكراء ، ولو قد شاعَتْ لقد شاع بشيوعها فسادٌ كثيرٌ ، وأدرك العدوُّ من هذه الأمة الشريفة ما لا يدركه منها بسلاح ولا جيوشٍ ؛ ذلك أنّ شرفَ الأمة هي أعزٌّ ما تملك ، وأنّ ذلك الشرف لو تمثلَ كائنًا حيًّا من لحمٍ ودمٍ لكان نساءَ هذه الأمة الشريفة الشريفات ، نحن _ يا مقامَ القاضي _ نبدأ باستئذان مقامكم الحديثَ بلا كنايات ولا مواربة حتى لا يُبْخَسَ المتضرِّرُ حقَّه في العقاب المناسب يُوقَعُ بالمُضِرِّ، كما لا تُبْخَسُ المتهمة حقَّها في محاكمة عادلةٍ »
جناب القاضي المبجل :
- « لكم ذلك »
الادعاء :
- « شكرًا جنابَكم . في يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من شهر يوليو من هذه السنة ، قامَتْ المتهمة بفعلٍ جللٍ يعصف بالحياء والأدب ويعفّي على القيم والأخلاق ، ذلك أنها _ مستترةً بالظلمة والوحدة _ قد عمدَتْ إلى بنطالِها شديد الضيق الذي يصوِّرُ ويصف ويشف ويحكي حكاياتٍ مطوَّلةً عن تفاصيل ما يُفْتَرَضُ به أنْ يغطيه ، أقول: عمدَتْ إلى هذا البنطال الذي هذه صفتُه ، وهو الحرزُ رقم ( 15- أ ) ، وحاولَتْ خَفْضَه بنيةٍ مبيّتةٍ من أجل الشروع في الجريمة التي نحن بصدد مناقشتِها .. وقد كان ينهى المتهمة عن إتمامِ جريمتِها الشنعاءُ ما عانَتْه من صعوبةٍ في زحزحة البنطال حتى ينزل - فإنه كان من الضيق بحيث تحتاج إزالتُه إلى جهد وقلقة وعناءٍ شديدٍ.. ولكنّ هذا كله لم ينْهَ المتهمةَ عن الاستمرار في جريمتها النكراء ، فعالجَتْ إنزالَ بنطالِها لفترةٍ طويلةٍ قبلَ أنْ تتمكن من زحزحتِه ، فلما تمّ لها ذلك ، نزلَتْ بيدها الآثمة إلى ما أودِعَتْه أمانةً لا يجوز فيها التصرفُ بدون إذن صاحبِها ، وهذه الأمانة هي عضوُها التناسليّ الذي منَحَتْه لها الطبيعةُ لتختبرَ به كفاءتَها والتزامَها وصكَّتْه بصكِّها لئلا تمتدَّ له يدُ العبثِ .. أقول : أقدمَتِ المتهمة بلا وازعٍ من خلق ولا ضميرٍ بيدها الجانية إلى مستقر شرف الأمة الذي هو بين رجليها ، فأراحَتْ راحتَها الفاحشةَ عليه كأنما هو ملكٌ لها تصنع به ما تشاء ، فما الذي وجدَتْه تلك الراحةُ الماجنةُ يا سيادة القاضي ، وجدَتِ الحرزَ رقم ( 14- أ ) المودَعِ في أحراز القضية ، ونحن نستأذن سيادتكم عرضَ هذا الحرزِ على الجمهورِ ليتبين له مدى النية الفاجرة المبيَّتَةِ لدى المتهمة على ارتكابِ جرمِها الشنيع »
جناب القاضي المبجل يسلم الحرزَ للادعاء ليعرضه على الجمهورِ ، وأمام تصاعدِ شهقات الاستنكار والغضبِ ، يضطر القاضي المبجل إلى إسكاتِ الجمع ، ويطلبُ من الادعاء الإكمالَ :
- « مقامَ القاضي المعظم ، المنَصَّةَ المبجلة ، الحضورَ .. ما هذا ؟! .. هل هذا جنسٌ من بيوت العناكب ؟ .. هل هو شبكة كرة قدم مما تودَعُ فيه الكرات المعدة للبيع لتُعَلَّقَ على واجهات البقالات ؟ .. لا هذا ولا ذاك سيادتكم .. بل هذا هو ما هرعَتْ يد المتهمة الجانية إلى شرف الأمة المودَعِ بين رجليها فاصطدَمَتْ به .. بهذا الذي لا يكاد يستر من عُرْيٍ ولا يدفئ من قرٍّ أوكلَتِ المتهمةُ حفظَ شرفِ الأمةِ كلِّها .. أفلا تُعَدُّ هذه تهمةً في ذاتِها ؟ .. وإني لأستأذن المنصة المبجلة وجناب القاضي المعظم مرةً أخرى أن أخوضَ في التفاصيل لا أكنِّي عن طبيعة هذا الجرم الفاحشِ »
جناب القاضي المبجل في تفهّمٍ :
- « لكم ذلك ، لكم ذلك »
- « شكرًا جنابَكم ... هذا يا سادة هو ما رَضِيَ قومٌ لا خلاق لهم أنْ تصطنع منه نساؤهم ملبوسًا يغطي _ بزعمهم _ موضع العورة .. وإذا أمْعَنَّا فيه النظرَ نجده خطَّيْنِ التقيا في نقطتين ، يشكل أحد الخطين نصف دائرة ، ويشكل الخط الآخر دائرة كاملة .. ولا يجرؤ التصوُّرُ الذي هذبَتْه الحضارة وشذبَتْه المدنية أنْ يستدعي صورةً يكونُ فيها هذا الشيءُ مغطّيًا _ لا ، بل كاشفًا _ لمكان العورة من سيدة فاضلة .. كيف ؟ .. كيف، وإنْ تتحرَّكْ تلك السيدةُ يَضْطَرَّ أحدُ الخطين للغوص فيما حقه أنْ يُسْتَرَ من النظر فما بالكم بالمسِّ فما بالكم بالضغط الشهواني الفاجر ؟! .. جنابَ القاضي .. لو كان هذا مقدارُ التهمةِ فحسبُ لظلَلْتُ أعدُّها موجبةً لأشد العقوبة ، فكيف وهذه هي المقدماتُ ولمَّا نصِلْ إلى الغايات الفاحشةِ بعدُ ؟ ..
مدَّتِ المتهمةُ يدَها إلى ما كشفه البنطالُ المزحزحُ بعد لأيٍ ، فاستراحَتْ راحتُها الآثمةُ على هذا الشيءِ الفاضحِ ، تقول المتهمة في اعترافِها أنها لمْ ترَ حاجةً لإزالتِه قبل أنْ تشرع في فعلِها المؤثَّمِ .. نقول نحن : صدَقْتِ ، لولا أنّ هذا الحرزَ في غلافٍ بلاستكي لما فطنَّا نحنُ أيضًا إلى وجوده !»
ضحكاتٌ في القاعة تجاوبُها ابتسامةٌ حزينة من جناب القاضي المعظم الذي الذي يهز رأسَ جنابِه في أسًى ، ويمنع جنابُه جنابَه بصعوبةٍ من إبداء سخطِه علنًا .. ويستمر الادعاءُ :
- « ثم تستمر المتهمةُ غيرَ عابئةٍ بشرفٍ ولا أخلاقٍ في محاكاةِ ما لا يصح أنْ يقَعَ في حق امرأةٍ إلا بينها وبين زوجِها كما قرَّرَتْ ذلك الأعراف والعادات والتقاليد ...
وليس هناك زوجٌ لها في هذه القضية فاضطَرَتِ المتهمةُ أنْ تعلبَ دورَ زوجِها ودورَ نفسِها معًا ، فصارَتِ الفاعلَ والمفعولَ به ، ووهَبَتِ المتعةَ الحرامَ وتلقَّتْها معًا ، وهاجمَتْ ودافعَتْ في الوقتِ ذاتِه ، وهذا ما لمْ يسمَعْ به أحدٌ في طبيعة ولا قانون ولا قاعدة لغويةٍ ولا مباراة كرة قدمٍ !
جنابَ القاضي المعظم ، أيُّ شيءٍ يَبْقى من خُلُقٍ أو شرفٍ وقد امتدَّتِ الأصابع الفاجرة المؤثمة إلى شرف الأمة كلِّه فحرَّكَتْه وأثارَتْه من غيرِ عقدٍ ولا إشهارٍ ؟!
جنابَ القاضي المعظم ، إنّ استحضار هولِ الجريمة الشنعاءِ يوجبُ علينا تصوَّرَ التفاصيلِ التي وقَعَتْ ، حتى يمْتَثِلَ أمامَ أعيننِا مقدارُ ما ارتكبَتْه المتهمةُ من جرمٍ بشعٍ ؛ وفي التفاصيلِ ما تنَزَّهُ الأسماعُ الشريفةُ المهذّبَةُ عنْ ذكرِه ، ولكنَّه قدرُنا أنْ نعالجَ الفظاعاتِ التي تنزلق إليها أقدامُ الخاطئين ، لأنه قدرُنا أنْ نكونَ الدرعَ الذي يحمي شرفَ الأمةِ وأخلاقَها من الفحش والفجور بإيقاع العقوبة المناسبة على مرتكبات أمثالِ تلك الفظاعات المنفِّرةِ ، ومع ذلك فإنني أستَسْمِحُ جنابَكم المعظمَ للمرة الثالثة في أنْ أخوضَ في تلك التفاصيلِ لحاجةِ القضيةِ إلى الخوضِ فيها .. »
- « فلْيَخُضِ الادعاءُ مشكورًا فيما يحتاجُ إلى الخوضِ فيه.. »
- « شكرًا جنابَ القاضي المعظم .
إنّ اللواتي جانَبْنَ طريق الرذيلةِ وحِدْنَ عنْ سُبُلِ الفسادِ قد يَسْمَعْن ما أفَضْتُ فيه قبل قليلٍ فلا تقدِرُ إحداهنَّ _ ولو أجْهَدَتْ نفسَها _ على تصوِّرِ طبيعة التهمةِ التي نعرضُها اليومَ .. ذلك أنّ هذه النسوة الفضْلَيَاتُ لم يرَيْنَ ولم يسْمَعْنَ بمثلِ هذه التهمةِ من قبلُ ..
إنَّ الطبيعةَ قدر غرسَتْ فطريًّا في نفوس النساءِ الميلَ إلى الرجالِ ، وغرسَتْ في النساءِ كرهَ الفحشاءِ والتطلعَ إلى الزواجِ كإطارٍ مقبولٍ _ ومقبولٍ وحدَه_ لممارسة ما تتطلع إليه نفوسهنَّ من لذة مباحةٍ مع رجلٍ واحدٍ فقط .
هذا . ولكنّ بعضَ النساء _وهذا البعض نادرٌ لحسْنِ حظِّ أمَّتِنا الشريفة _ تزيغ عنْ هذه الطبيعة الفطرية فلا تنتظر حصولَ الزواجِ قبل أنْ تمارس فعلًا لا يليق خارج المؤسسة الزواجية .. فهذه جريمة شنعاءُ مؤثمة .. ثمَّ :
ثمَّ ، إنَّ بعضَ النساءِ لا تكتفي بهذا ، بل تَعْمَدُ إلى فطرتِها التي وُهِبَتْها فتُحَرِّفَ فيها ، فتَجْعَلَ سبيلَها إلى إشباعِ رغباتِها _التي صارَتْ محرَّمةً _ شخصًا من مثلِ جنسِها ، وهذه جريمةٌ لا تعدلها جريمةٌ ، وليس أحقرُ منها في تصوّرِ الفضلاءِ وأهلِ العفةِ .. بل ثمة ما هو أحقرُ :
إنَّ بعضَ النساء لا تكتفي بهذا ، حتى تجْعَلَ ذلك الشخصَ الذي هو من مثلِ جنسِها والذي أشبعَتْ رغبتَها المحرمة بممارسة العملية الجنسية معها ، أقول : تجعل هذا الشخص هو نفسَها ! وإنّ اللغة لتنوءُ بأداءِ هذا المعنى الفاحش الفاجرِ ؛ كيف يصلُ التدني الأخلاقي بالمرأةِ إلى أنْ تَتَصوّرَ أنَّ جسدَها هو نفسَه مصْرِفٌ لشهوتِها ؛ فتنْكِحَ يدَها !! »
شهقاتٌ من الدهشةِ تتناثر في القاعةِ في ذهولٍ ..
- « هذا يا أيها السادةُ الفضلاءُ هو الجُرْمُ الذي نناقشُه اليومَ .. ولكمْ تمنَّيْتُ أنْ يوَكَّلَ بهذه القضيةِ غيري حتى لا أضطرَ لقولِ ما قلْتُه، ولكنّه قدرُنا أنْ نخوض فيما يكره أي عفيفٍ الخوضَ فيه ؛ لا لشيءٍ إلا لحرصِنا على إرساء دولة القانون التي تحفظ المجتمعَ في شرفِه وأخلاقِه قبلَ أن تحفظَه في صحته ومالِه ومقدَّراتِه..
صنعَتِ المتهمةُ ما ذُكِرَ .. جعلَتْ يدَها لها زوجًا تخصه بما تخص به المرأةُ زوجَها ، ولقد خضعَتْ ليدِها خضوع المرأة لزوجِها ، وأدرَكَ تنفُّسَها من البهرِ والشهقاتِ ما يدرك تنفسَ المرأةِ من ذلك لفعلِ زوجِها ، ولعلها _ أقول : لا يبْعُدُ_ قد خاطَبَتْ يدَها خطاب العاشقة الولهانةِ تستحثُّها على المزيد ، وتظْهِرَ لها اللذةَ والنشوةَ بفعلِها ؛ وهذا ما تعفٌّ كثيرٌ من النساءِ العفيفاتِ عنه حتى مع أزواجهِنَّ .. فما الذي بقي ؟!
أيصيرُ في أيدي النساءِ بديلٌ عن زواجهنَّ من الرجالِ ؟!
أيخطِبُ الواحدُ منا امرأةً فيقولَ له أبوها : سبقَتْكَ يدُها يا بنيّ ، فابنتي عنْكَ _ وعنْ آلة التناسلِ منك _ في شُغُلٍ بيدِها ؟!
وهلْ نضمنُ _يا سادة _ أنّ احتدام اللحظة وشدة الشبق لنْ يزيدا في الرغبة الآثمة للخاطئاتِ فتقتحم اليدُ البابَ بدلًا منْ أنْ تتمسحَ به ؟
وهل نضمنُ _يا سادة_ أنّ هذه اليدَ الفاجرةَ الآثمةَ ستدخلُ البابَ وتنتهي إلى غرفةِ الجلوس ؟
وماذا إذا أرادَتْ أنْ تصلَ هذه اليدُ الآثمةُ _ في تلك اللحظة الشهوانية المحرمة الطاغية _ إلى غرفة النومِ ، وكانتْ غرفةُ النومِ عليها حجابٌ ، حجبَتْها به الطبيعةُ لتختبرَ ببقائه شرفَ الأمةِ وعفّتَها - أقول : منْ يضمنُ أنّ تلك اليدَ التي ضربَتْ بالأعراف عرض الحائط ، لنْ تخرق الحجابُ فينتهي باختراقه كل شيءٍ ؟
كل التربية ، وكل العلم ، وكل الأدب ، بل وكل الصناعة والزراعة والصحة والرفاهية ، وكل ما بناه الأسلاف للأخلاف ، وما أتمَّه الأخلاف على صُنْعِ الأسلاف ، كل شيءٍ سينعدم في تلك اللحظة ، وما تلك اللحظة بالمُسْتَبْعَدَةِ ، فإنَّ اليد الآثمة كانَتْ تحتكُّ بالحِمَى فهي توشك أنْ تقع فيه !!
فمَنْ يضْمَنُ ألا تقعَ فيه ؟!
هذا أيها السيدات والسادة هو حجمُ الجرمِ الهائل الذي نجدُ أنفسَنا اليوم واقفِينَ أمام مرتكبتِه .. فنحن نطالبُ بإيقاع أقصى عقوبةٍ على المتهمةِ ، وأنْ يُنْزَلَ بها من صنوف البأسِ والتنكيلِ ما يجعلُها عبرةً لمَنْ تسوِّلُ لها نفسَها تكرارَ مثلِ هذا الفعلِ ، والسلام . »
جنابُ القاضي المعظم يهمُّ أنْ يصدرَ الحكم مباشرةً ليكون في ذلك بيانُ مدى هولِ الجريمة المُرْتَكَبَةِ ، ولكنَّ حِلْمَه البالغ ، وعدلَه المطلقَ ، وحيادَه المُفْرِطُ يَحْمِلُه على منْحِ الدفاعِ الفرصةَ ليلقي مرافعَتَه ، فَتُمْنَحُ الكلمة للدفاع ، الذي يُصْلِحُ من هيئة " الروب " عدة مراتٍ قبلَ أنْ يندفَع في الكلامِ وكأنّه يستظهر نصًّا مكتوبًا :
- « حضرة القاضي ، نحن أمام قضية مهمة ، لا بد مِنْ أنَّ نفتح آذانَنا ومخَّنا جيدًا حتى لا نقع في أخطاء ونندم عليها فيما بعد .. »
جناب القاضي المعظم ينظر في رثاءٍ للدفاع المُرْتَبِكِ ، بينما يواصلُ الدفاعُ مرافعتَه :
- « أول نقطة .. سيدي .. أول نقطة .. هي .. سيدي.. »
نظراتُ الرثاء تنهمِرُ على المحامي صغيرِ السنِّ الذي يحاولُ تذكرَ أولِ نقطةٍ ..
- « نعم .. نعم .. نعم ، أول نقطة هي أنّ المتهمة قد عاشَتْ حياةً صعبةً جدًّا بدون أبيها الذي مات وهي صغيرة ، فلم تجد رقابة جيدة في نشأتها ، لتتعلم الأخلاق المهمة في تكوين المواطن الإيجابي ..وهذا يُحْسَبُ لها »
الادعاء يدافع الضحكَ بصعوبة ، بينما يكمل الدفاع :
- « ثاني نقطة أنّ هناك الكثير من المواقع الإباحية تشيع أفعالاً سيئة في الناشئين ، ولا تقوم الوزارات المختصة بحجب هذه المواقع ، وهذه نقطة أخرى تحسب للمتهمة ..
ثالث نقطة وهي نقطة هامة جدًا ، وهي أنّ المتهمة كانتْ في مكانٍ خاص عند إلقاء القبض عليها الذي لم توضح النيابة إنْ كان حصل بعد إذن تفتيش ، وما سبب إذن التفتيش لو كان حصل ؟ »
كان المحامي الصغير قد وقع _ سهوًا _ على شيءٍ مهم ، فانفجر الادعاء فيه :
- « إن ما تعانيه أمتُنا من مخاطر وجودية يُحَتِّمُ التكاتفَ مع جهات الرقابة وإنفاذ القانون ، وليس التشكيك في كفاءتِها ؛ لا يوجد شخصٌ يُقْبَضُ عليه بدون إذن قضائي . وإن اشتغال الدفاع بالمحاماة كان يُفْتَرَضُ أنْ يفتح عينيه على هذه الحقيقة الراسخة »
ووجد جناب القاضي المعظم أنّ عليه أنْ يؤكد على هذه النقطة المهمة :
- « نرجو من الجميع احترام المجهودات الفائقة التي تبذلها جهات الرقابة وإنفاذ القانون ، وإلا سنضطر لمعاقبة من يصرح أو يلمح بوقوع تجاوزاتٍ من قبل هؤلاء الأبطال المثاليين »
الخوفُ يظهر على ملامح المحامي الصغير ، الذي كان قدْ فرِح بأنْ كلَّفَتْه المحكمة بالترافع لأول مرة في حياته في هذه القضية ، غيرَ عالمٍ أنّ المتهمة قد حاولَتْ جاهدةً البحثَ عن محامٍ يترافع عنها ، ولكنهم رفضوا جميعًا ، فلجأتِ المحكمةُ إليه ..
ولكنِ الآنَ يبدو أنه على وشك أن يُعَاقَبَ أو أن يُحْبَسَ .. وهذا خطرٌ :
- « المعذرة يا حضرة القاضي .. المعذرة .. هذه نقطة ليسَتْ في محلها تمامًا .... على أية حال ..
النقطة الرابعة : هي أنَّ المتهمة قد أظهرَتْ أسفَها الكبير .. وتجاوَبَتْ بكل شفافية مع طلبات النيابة .. واعترفَتْ بكل شيءٍ .. وهذا يُحْسَبُ لها ..
أيضًا أريد أنْ أعقِّبَ على التهم التي ذكرها الادعاء .. أعني .. أهم تهمة أثارَتْ اندهاش الناس .. وهي مسألة البنت والمدام .. أعني "البكورية" .. أريد أن أشير إلى تقرير الشرطة الخاص بكشف البكورية .. ويصر على أنّ موكلتي بنت .. فموضوع الباب وأودة النوم والحمام .. كل هذا لم يحصل »
ضحكات خافتة ، بينما الادعاء ينظر في غيظ إلى المحامي الذي فطن بعد فوات الأوان إلى ما في عبارته من سخرية لم يتعمَّدْها ، فشعر بالخوف .. ولكن حمل نفسَه على التماسك، لينهي مرافعتَه بطلبٍ غريبٍ :
- « وفي النهاية أتقدم بطلب استجواب للمتهمة »
جناب القاضي المعظم يهمُّ برفض الطلبِ لما فيه من تعريضٍ للجمهورِ لكلام متهمة بجريمة فحش عظمى ، ولكنّ حيادَه الفائق يجبرُه على منحِ المتهمة ودفاعِها حقوقَهم كاملةً :
- « لك ذلك .. »
تتقدم المتهمةُ بينما العيونُ تلتهمها وتتصور حالَها وهي ترتكب تلك التهمة الشنيعةَ .. وتُهَزُّ الرءوس في أسًى على الشابة الجميلة التي كان بوسعها أنْ تسلك طريق الاستقامة وأنْ تكون زوجة مطيعة لرجل مهمّ .. ولكنها اختارَتْ الانحراف .. وتبدأ الأسئلة التي يحاول بها الدفاع المبتدئ استعطاف السامعين :
- « ما هو سنكِ ؟ »
- « خمسة وعشرون سنة . »
- « لماذا لم تتزوجي بعد ؟ »
- « لم يتقدمْ أحدٌ ليخطبني . »
- « لماذا ؟ »
- « إنّ عمّي كان يطلب مهرًا ضخمًا من الخاطبين ، حتى عرف الجميع بذلك ، ولم يعُدْ أحدٌ يخطبني »
- « وما هو الحلّ ؟ ما هي خططك للتغلب على رفض عمك للخاطبين ؟ »
المتهمة ترفع كتفيها وتخفضهما في قلة حيلة ..
- « سيدي القاضي .. هذه نقطة أخرى تحسبُ للمتهمة .. التي اجتمعت عليها الظروف القهرية بما فرض عليها .. »
الادعاء يضطر للمقاطعة بدون استئذانٍ :
- « أعتقد أنّ الدفاع لا علمَ له بمعنى الظرف القهريّ على ما يبدو .. أنا أطلبُ الحق في استجواب المتهمة »
في ظروف أخرى كان جناب القاضي المعظم ليَعْتَرَضَ على هذه الطريقة في المقاطعة ، ولكنْ بسبب الموقف الأخلاقي المهم الذي يتبنى الادعاءُ الدفاعَ عنه ، فقد سمحَ له جناب القاضي المعظم بذلك ، متغافلًا عن اعتراض المحامي الصغير الذي لم يُكْمِلْ أسئلتَه بعد .. وبدأ الادعاء :
- « أيتها المتهمة ، ذكَرْتِ في اعترافك للنيابة أنّكِ شعَرْتِ بالضجر في ليلة وقوع الحادثة ، ففَكَّرْتِ في القيام بتلك الجريمة البشعة دفْعًا للملل .. هل هذا هو الدافع للجريمة ؟ دفعًا للملل ؟ »
المتهمة تنظر لمحاميها ، وكأنها تطلب منه هو الآخر أن يقاطع صاحبَه دفاعًا عنها .. ولكن محاميها ينشغل بتقليب أوراق القضية تجنبًا للنظر إليها ، فتضطر للإجابة :
- « هناك دوافع أخرى أيضًا .. عمي لم يقبَلْ بتزويجي لـ .. »
الادعاء يقاطع في الوقت المناسب :
- « ولكنّ هذا ما ذكرْتِه في اعترافكِ ، هل تقولين إنَّ الاعترافَ الذي وقَّعْتِ على صحتِه حوى مغالطاتٍ ؟ »
- « ليسَتْ مغالطات ، ولكن هناك أسباب أخرى اشتركَتْ في الأمرِ مثل عدم وجود .. »
مرة أخرى مقاطعة محسوبة :
- « لماذا لمْ تذكري ذلك في اعترافكِ ؛ وجود أسباب أخرى ؟ »
- « لقد كنْتُ منهكةً عندما أدليْتُ بالاعتراف بعد كلِّ ذلك الـ .. »
الادعاء يتحسس مسدسَه ، وبما أنه لا يحمل مسدسًا فقد بدا وكأنه يشتكي ألمًا في خاصرتِه ، ويقاطعها في منطقة الجزاء :
- « منهكةً ؟ منهكة لماذا ؟ هل هناك أي شكوى من ظروف التحقيق ؟ أو مشكلة واجهَتْكِ أثناء اعتقالكِ ؟ »
المتهمة تفطنُ إلى ما يرمي إليه :
- « لا ، لقد كان الجميع لطفاء ومهذبين . »
يكف الادعاءُ عن تحسس مسدسه ، ويتنهد في ارتياحٍ ، ثم يضيف :
- « حسنًا ، أخبرينا إذًا عن ظروف تلك الجريمة ، الدافع كان الشعورَ بالملل كما اتفقْنا ، لا يوجد دافع وجوديّ أو قهريّ كما قال الدفاع قبل قليلٍ .
ولكنْ هل ما كنْتِ ترتدينه آنذاك _ وقد ذكرْتِ ذلك أيضًا في اعترافكِ ، كما أن قوات الرقابة وإنفاذ القانون قد تحفَّظَتْ على ما كنْتِ ترتدينه آنذاك _ هل ما كنْتِ ترتدينه آنذاك قد قرَّرْتِ ارتداءه بعد شعورك بالملل ، أم قبل ذلك ؟ »
- « بعد شعوري بالملل ؟ »
- « حسنًا ، أنا واثقٌ أنكِ لا تتعمدين الكذبَ ، ولكنْ إنْ كان هذا هكذا ، فمتى اشتريتِ تلك الملابس الداخلية الفاضحة إذن ؟ »
المتهمة لا تزال في عدم تصديقٍ من الحديث عن خصوصياتها بهذه الصراحة أمام الناس ، وترد في خجلٍ :
- « لقد ذهَبْتُ مع صديقة لي متزوجة إلى محل لهذا النوع من الملابس .. واشترَتْ هي شيئًا فاشترَيْتُ مثلَه .. »
الادعاء يقاطع بغضبٍ :
- « ولكنها اشترَتْه لزوجها ، وأنتِ اشترَيْتِه لمَنْ ؟ ليدِكِ ؟ »
- « ربما أكونُ اشتريْتُه لزوجي القادمِ ! »
- « ولكنكِ قدْ ذكرْتِ أنّ الخاطبين قد كفوا عن زيارتكم ، مِنْ أين سيأتي زوجُكِ القادم ؟ »
- « وهذه حجة لي أم حجة عليّ ، يا سيدي القاضي ؟! »
شعر الادعاء بفخر عميم عندما خوطب بهذا اللقب ، ولكنه استدرك عليها بسرعةٍ :
- « أنا لسْتُ جنابَ القاضي المعظم .. ونعود لسؤالِنا : ما الذي جال بخاطركِ عند شراء تلك القطعة من الملابس الزوجية ؟ »
- « لقدْ أرَدْتُ أنْ أبدو جميلةً .. هذا كلُّ ما أرَدْتُه .. »
- « لِمَنْ ؟! جميلة لِمَنْ ؟! هذا هو مربط الفرس »
- « جميلة لنفسي !! لماذا يتوجب وجودُ شخصٍ آخرَ أكونُ جميلةً له ؟! »
تلتمع عينا الادعاء بالظفر ، ويتوجه لجناب القاضي المعظم بالخطابِ :
- « شكرًا جنابَ القاضي المعظم ، هذا كلُّ ما لديّ من أسئلة »
جناب القاضي المعظم لا يخفي انزعاجَه من الإجابة المستهترة المتبجحة .. ويتلو الحكم في عجلةٍ موقِعًا بالمتهمة أقصى عقوبة يسمح بها القانونُ لتهمِ إشاعة الفحشاء ، وتدمير قيم المجتمع، وارتكاب جرائم تهدد السلم والأمن العالميين ، وزيادة الاحتباس الحراري في الكوكب ، والطعن في شرف الأمة ، واحتقار أهيمة الذكور في المجتمع ، بما يشمل الذكور العاملين في مجال الرقابة وإنفاذ القانون بما له من قدسية خاصة.. وعشرات الجرائم الفظيعة الأخرى التي يكفي أيٌّ منها لبلوغ حبل المشنقة ..
فلما أتمَّ تلاوةَ الحكمِ غادرَ القاعة مسرعًا لئلا يجمعه ومرتكبةَ هذه الفظاعاتِ مكانٌ واحدٌ .. يا للشرفاء من الرجال ، وما يتكلفونه من أجلِ تقويم المجتمع وبتر الخلايا السرطانية التي تدب فيه .. وا رحمتاه لهم !
**************
- « لا تسمَحْ لأحدٍ بالدخولِ »
- « حاضر يا سعادة الباشا ، أمرك يا سعادة الباشا »
يستقر جنابُ القاضي المعظم على كرسيِّه الوثير خلف مكتبه الفخم ، وقد أوصى بألا يدخلَ عليه أحدٌ مكتبَه الشريفَ ..
صورةُ المتهمة التي حكم عليها قبل ثوانٍ لا تزال في مخيلتِه الشريفة .. وملامحها الجميلة الدقيقة تثير فيه معاني الرثاء والأسى لسلوكها الطريق المنحرف .. كل هذا الجمال ينتهي إلى هذا المصير المؤسف ، ولكنْ ما حيلتُه ؟ هي مَنِ ارتكَبَتِ الجرمَ وأوجبَتْ على نفسِها العقوبة ..
ولكنها شديدة الجمال ، شفتاها الدقيقان ينضغطان في غضبٍ خالبٍ للبِّ بينما عيناها تبحثان عن هدفٍ تصبّ عليه غضبَها ، قبل أنْ ينفتح الفمُ الدقيقُ عن صفين من اللؤلو _ كما يقول الشعراء العرب_ لتقول بغضبها اللطيف _ إن صح أن يكون الغضب لطيفًا _ :
- « جميلة لنفسي !! لماذا يتوجب وجودُ شخصٍ آخرَ أكونُ جميلةً له ؟! »
يا للفِتْنةِ الفاجرة ! وإنْ كان جناب القاضي المعظم يعذرها بعضَ العذرِ ، فهي من الجمالِ بحيث يصعبُ عليها أنْ تحبَّ غيرَها ، الأعلى جمالاً لا يرغب في الأدنى منه ، فلا بد أنّ الأعلى جمالاً يحب نفسَه بالضرورة .. ولكنْ ماذا عنِ الرجالِ ؟ لو تمَّتْ هذه القاعدة لتزوجَتِ النساءُ النساءَ ، وبقي الرجالُ بلا زوجاتٍ ، ولا يمكن أن يُسْمَحَ بهذا ؟
ولكنها شديدة الجمالِ ، منظرُها وهي ترتكب التهمةَ التي حَكَم عليها بسببها قبل قليلٍ ، لا يسهلُ على التصوّرِ تجاوزُه .. عاريةً أو تكادُ .. مستلقيةً تمامًا أو تكاد .. أصابعها التي تكاد من ليونتها تخلو من العظام .. تنحدر لتلمس المحذورَ ؛ وقوع الفراشِ في النارِ .. ومَنْ يلومُ الفراشَ ؟
ثم تحدث المماسّةُ فتصرخ الأعصابُ الحسيةُ بالمخِّ في إلحاحٍ طفوليٍّ مزعجٍ: " المزيدَ! المزيدَ ! " .. ويستجيب المخُّ فيأمرُ اليدَ الرخصةَ بزيادة التماسِّ .. فتفعلُ اليدُ ما أمِرَتْ ... ولكنْ هناك قماشٌ رقيقٌ _ هو الحرز رقم 15_ يحولُ بين اليدِ وبين مطلق المماسّة ، فيأمرُ المخُّ اليدَ أنْ تزيل ذلك القماشَ من الصورةِ فتكتفي اليدُ الفَطِنةُ بزحزحته قليلًا جهة اليمين فينكشف كل شيءٍ .. فما كان الداعي إليه إذَن ؟ .. ويخلو الجوُّ لليد فتروح وتجيء ، وتتضامّ الأصابع لتمرَّ مرورًا عامًّا غير مدققٍ على المنطقة محلّ المسحِ ، ثم تكتشف في هذا المرور السريع مناطق عالية الكثافة الحسية ، فتتوجه إليها الأصابع كل إصبع على حدة ، ثم يسْمَعُ بالخبرِ الثديان في الأعلى فيلجان بالصراخ حتى تلتقمهما إحدى اليدين الرخصتين قبضًا ومسحًا وعركًا ، فيهدأ ما بهما بعض الشيءِ ..
ويرى جناب القاضي المعظم أنَّ في تصوّرِ هذه التهمة الآثمة المؤثمة ما يحرك في النفس معاني الفتوة والنشاط ، وهي في الرجال نقيض ما هي في النساء ، فإنها محمودةٌ في هذا الموضع موجبة لأشد العقوبة في ذلك .. فتمتد يد جناب القاضي الشريفة إلى بنطاله الشريف لتخفف الضغطَ بزيادة المساحة كما يقرر ذلك علماء الفيزياء .. ولا سبيل إلى زيادة المساحة إلا بحل عقدة البنطال وإنزال سحابته كما ينص على ذلك السادة الخياطون .. ولأنَّ جنابَ القاضي المعظم تضطره مهنتُه للإلمام بما أمكنَ من سائر العلوم المختلفة ، فإنه كان على وعيٍ بذلك كلِّه .. ولم يمضِ كثيرٌ حتى كانَتِ مساحة قمة البنطال قد انفتحَتْ على الغرفة فخرجَتِ المادةُ _ في صورتها الأسطوانية الصلبة _ من الضغط الأعلى إلى الضغط الأقل كما تنص على ذلك النظرية الأسموزية .. وعاد القاضي لتصور التهمة التي قضى فيها بأخرة..
ابنة الخامسة والعشرين تتناوب يداها اليمنى واليسرى إشباع حاجة جسدها العليا والسفلى .. فأما العليا ففيها خلاف ؛ يقول بعض العلماء هي من أعضاء الجنس ومن هنا كان كشفُها ككشف المهبل سواءً بسواءٍ . ويقول آخرون بل هي للإرضاع بخاصة فلا بأس في انكشافِها ، وأنَّ إيلاءها مهمةً جنسيةً فيه معنى من معاني الانحراف عن السبيل المستقيمة .. ولو لمْ يكنْ جنابُ القاضي المعظم مشغولًا بحاجته السفلى ، لأسهم في خلافهم ذاك بالحجة الدامغة والدليل البين ، ولكنه عنهم في شُغُلٍ ..وأما الحاجة السفلى فلا خلاف فيها بين ذكر ولا أنثى ؛ هي موضع التناسل ، ومحل الموضوع الجنسي السوي على ما يقر به علماء النفس الكبار .
ثم إنَّ ابنةَ الخامسة والعشرين المنحية سروالَها الداخليّ _ إن جاز تسمية هذا الهباهب بهذا الاسم _ المنشغلة بما تحته _ مما لم يَعُد تحتَه ، وإنما صار إلى اليسار منه ، بعد تنحيته _ عما حولَها .. قد فاجأتْها قواتُ الرقابة وإنفاذ القانون وهي على وشك إنفاذ القانون الطبيعي الذي ينص على أنَّ لكل فعل ذروةً ثم انحسارًا ، وكانَتْ على وشك بلوغ الذروة قبل أنْ يقتحم غرفتَها المغلقة هؤلاء الرجال المحترفون ذوو الكفاءة القتالية الهائلة .. والحق أنَّ جنابَ القاضي المعظم _على الرغم من تهديدة للدفاع صغير السن قبل قليلٍ _ كان يجهل الظروف التي أدَّتْ بقواتٍ شديدة الكفاءة والتدريب أنْ تدخل بيتًا ليس فيه إلا امرأة وابنتها الشابة في منتصف الليل ، ولكنّ أسئلةً كهذه تثيرُ القلق والشك وتضعف الإيمان واليقين ، ثم لا يستفيد المرء شيئًا من إجابتِها ..
ويقول ملف القضية إن القوات عالية التدريب قد اضطرَتْ للتعامل مع الجريمة بالكفاءة المطلوبة فتم نزع المُنَحَّى جانبًا حتى يُتَحَفَّظَ عليه كحرزٍ ، وتم لفُّ الشابة الحسناء _ التي صارَتْ عاريةً بالكلية بعد نزع ذلك الشيء الخيطيّ _ في ملاءةٍ بيضاءَ ؛ لأنه قضتِ الخبرةُ أنّ الملاءة البيضاء تصف ما لا تصفه غيرُها من تفاصيل الجسم وانحناءاته كلما ارتج أو اهتزّ أو اضطرب ، ويقول أهلُ العلم بالشأنِ إنّ للأبيض من الملابس _ خاصة ما لاصق الجلدَ منه بلا حائل _ حالٌ عجيبة في الكشف والتوصيف ، ذلك أنَّ البياض الغالبُ فيما يغطيه شدةُ ظهور الانبعاجات المختلفة مهما كانَتْ صغيرةً ، فإذا كان شفافًا فهو الغاية القصوى في هذا الباب، بخلاف الأسود مثلًا الذي يحتاج إلى إعمال نظرٍ شديدٍ حتى تتبين حدود كل انبعاجٍ وتسطحٍ ..
فلما لُفَّتِ المتهمةُ في هذه الملاءة البيضاء ودخلَ منها ما دخل فيما قابله من أخاديد ثم انحشر ثم لم يخرجْ .. ووصف منها ما وصف ما تحته من كثبانٍ رجراجة ثم لم يَكتمْ شيئًا .. وقسمٌ ثالثٌ اقتربَ من الجسد البضِّ فلاقى بللًا لا يخفى سببُه فالتصق به فإنْ لمْ يكُنْ شفافًا من قبلُ فقد صار شفافًا حينئذٍ في أهم مكانٍ وأحقه بالسترِ .. وبقيَتِ المتهمةُ على هذه الهيئة دعوةً مفتوحةً للنظرِ ليلتهمها التهامًا حتى تُكُرِّمَ عليها بشيءٍ غير فاضحٍ لترتديه .. ولا بد أنها نزعَتِ الفاضح لترتدي غير الفاضح ، ولا بد أنّ المزيد من الأسرار قد انكشفَتْ خلال تلك المرحلة الانتقالية ..
كان جناب القاضي المعظم على وشك الفراغ مما بدأه ، فانصرف ذهن جنابه الشريف إلى الغايات متجاوزًا الوسائل ، وتصور المتهمة _ التي صارَتْ مجرمةً الآن بعد الحكم عليها _ وقد صارَتْ تحته وقد أغناها هو عنْ يدِيها جميعًا بيديه الشريفتين وبغير يديه من الأعضاء الشريفة الأخرى .. وبعد استحضار ذهنه الشريف لهذه الصورة لتلك الفتاة غير الشريفة لم تحتَجْ يدُه الشريفة سوى انزلاقين وضغطتين وقبضة ثم خرجَتِ المجرمة الآثمة من خياله .. بصورة مؤقتة على الأقل ..
وفي ذهن جناب القاضي المعظم الشريفِ خطرَتْ فكرةٌ أخيرةٌ فيها شيءٌ من الندم ، فهي تميل إلى التفكير العاطفي الخوار ، ولا شك أن هذه الفكرة قد نتجَتْ عن تلك الحالة التي صار إليها جناب القاضي المعظم بعد إفراغ هذه الشحنة من القلق والتوتر .. وعاد إلى نفسِه يؤنبها على ورود هذه الفكرة المؤنبة ، فما الذي صنعه جناب القاضي المعظم ليُلَامَ عليه ؟! نعم ، إنَّ ما تعرَّضَتْ له الفتاة من ذهابٍ لخصوصيتِها ، وعرضٍ لفضيحتِها على العالمين ، وحبس واستجواب لا يبعدُ أن يكون فيهما شيءٌ من القسوة ، ثم فوق هذا كله عقوبة من أشد العقوبات إن لم تكن أشدَّها .. نعم إن في هذا كلِّه قسوةٌ بالغةٌ ونكالٌ أليمٌ ، ولكنَّ السؤالَ هو :
ذَنْبُ مَنْ هذا كله ؟
ذنبُها هي ولا ريبَ ، منذ اشترَتْ تلك الملابس الداخلية الفاضحة إلى أنْ فعَلَتْ ذلك الفعلَ المجرم المؤثم إلى أنْ صرَّحَتْ بتبجح في حضرة جناب القاضي المعظم والحاضرين أنَّها تتزيَّنُ لنفسِها ؛ هكذا صراحةً بلا حياءٍ ولا ارعواءٍ .. فما الذي كان بيد جناب القاضي المعظم إلا العقوبة القصوى الرادعة ..
فإنْ يكُنْ في هذا ظلمٌ فعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء !!
-------- ( تَـــمَّـــتْ ) ----------