baher ellnemr
10-29-2018, 07:40 PM
لقاؤها يعنى الحياة
طيلة عمرى لا أقبل بنظرات العطف فى العيون الناظرة لعينى ، و ما ارتضيت الإقامة فى مكان أشعر فيه بالغربة إلا لأنى استشعرت وجودها فيه ، فتحول إحساسى به ، و ظننت أن فيه الوطن .. و بحثت فى كل الوجوه المحيطة عن وجه تألفه النفس فما وجدت ، حتى وجهها حكم القدر حكما صارما بغربتى عنه ، ملأنى الرعب من كل وجه أو عين نظرت فى عينى .. و أصبحت تائها حائرا لا يعلم إلى أين يذهب ، ينظر فى كل ناصية و كل اتجاه لعله يجد علامة ترشده ، و لكنه لا يجد إلا الظلام الحالك يحيط به ، فأعود أجلس فى منتصف الطريق ، نعم فى منتصف الطريق ، حتى لو مر عابر سبيل يأخذ بيدى إلى حيث البداية ، و قد تكون نهايتى وقت الفرار ، لكننى مع الضيق المتنامى تمنيت أن أخرج من ذلك العذاب حتى و إن ازدادت غربتى و اختنق صدرى من جديد ، حتى و إن كان القادم يحوى ما سوف يقودنى إلى ما هو أظلم من هذا ، و لكنها هى النتيجة .. نتيجة العشق الذى لا يجعل صاحبه يفكر و لو قليلا فى الزمان و لا المكان ، كل ما يفكر فيه هو الحب نفسه حتى لو قاده إلى مهلك .. ما ظننت أن تتبنى الليالى تلك العذابات و الجراح المتوالية ، لتطيح بعشقى و تطيح بتوازنى معا ، لا الأرض كما تعودتها ، و لا الليل كما عاهدنى ، و لا النهار له شموس ، و لا القمر يوحى إلى قلبى بشئ .. تجمدت كل الأفكار ، و تبلدت كل المشاعر فى ليل بعد ليل و ظلام بعد ظلام ، و صار طعم الحلو لا يجذبنى ، و لا طعم المر يؤلمنى ، واقف فى مكانى و كل شئ من حولى و بداخلى قد توقف .. فهل من عودة ! أين من تحدثوا عن الحب و عذوبته و أفراحه ! ما رأيت منه إلا الأطراح .. فليأتوا ليعيشوا فى مثل موقفى هذا و ليخبرونى ..
قالوا عن الحب ، و استطالت أقلامهم بكل ما استطاعوا كتابته ، لكن مع كل ذلك ، لا زلت أرى العجز يصيب الأقلام عن وصفه و التعبير عنه ، فبعد البحث فى كل كتاب عن الحب ، و كل دواوين الشعر ، لم أصادف ما يعبر عنى ، و لا عن ما شعرت به و لا زلت أشعر .. تلك النبضات المتتابعة ، المتغيرة ، المتغايرة ، المتلونة ، ماذا عنها ؟ تارة أرى القلب يرضى عن الواقع و يصدقه عنوة فلا حيلة فى تغييره ، و تارة يسخط حزينا مهموما يلعن الواقع و الظروف و المعطيات التى تجعلنى لا أقوى على ترك مكانى هذا ، و تارة يستقر فى بؤرة رمادية محايدة ، دون سابق إنذار و قد أرهقه العناء .. و تلك الأعين الساهرة ، الناعسة ، المتألمة ، تارة أراها تبحث فى شغف ، و تارة أراها تهدأ و تستكين مستسلمة للنوم لعلها تجد فى عالم الاحلام تعويضا عما أسفر عنه الواقع و أفضى بى إلى عذاب بعد عذاب ، لكنها لحظات سرعان ما تتبدد باليقظة على الألم من جديد .. و تلك الأنامل المنطلقة ، النشيطة الكسولة ، تارة أراها تتدفق بالحروف لتعبر عن ما فى القلب ، و تارة تسكن دون حراك .. ذلك الشوق المتنامى ، المنبعث من بؤرة الحرمان من اللقاء ، الصابر على البعد ، الحاقد على كل الظروف ، تارة تعلو موجاته ، و تارة تخفت بلا أنين .. و ذلك الليل الصديق ، العدو اللدود ، القريب البعيد ، تارة يصاحبنى فيملأ قلبى بهجة و ضياء مع ذكرى ابتسامة من عينيها أو همسة واعدتنى بها الدنيا من شفتيها ، و تارة يهجرنى و لا يترك لى إلا ظلامهحينما أذكر أن النهاية تناقض البداية أيما تناقض ، كل شئ و نقيضه ، يجتمع داخل هذا القلب .. قلبى ، فهل وجدتم تفسيرا له فى أعرافكم ، أم أنه دلالة واضحة على الجنون و الهروب بلا قرار لعالم معتم قاعه سحيق و ظلماته لا تتيح للعين رؤية حتى بعد الخروج منها ، يقبع فيه كل أولئك الأشقياء الذين عاندتهم الدنيا فمنعتهم الحياة و لم تعترف بما وجدوه فى قلوبهم .. أين تلك الليالى التى تغنى بها الشعراء عن لقاء الحبيب و ما يبعثه فى النفس من إشراقة تزيل كل حجاب بين القلب و بين سعادته .. و أين أغانى العشق و قصائده حتى أتغنى بها كما تغنى بها من سبقونى ، أين أنا بين كل ذلك ؟ على قارعة الطريق حزمت امتعتى و قررت الارتحال .. فإلى أين سأرتحل ؟ و إذا قررت العودة ، فإلى أى مقام سأتوجه ؟ فليخبرنى من اطلع على مثل حالى - إن كان موجودا - حتى أستلهم النصيحة من كلماته ، فيرشدنى و يوجهنى و يأخذ بيدى من هذه الدائرة .. أين اليد التى ستمتد نحوى كيد من خلال الموج مُدّت لغريق ؟ أين البريق الذى يظمأ السارى له حتى أركض بكل عزم نحو ذياك البريق ..كانت عيناك يا حبيبة القلب هى المأوى لى من كل جرح ألمّ بالقلب أو اعترى الروح ، و الآن بعد حكم الدنيا ، أنى لقلبى أن يقر فى مكان ، أو لروحى أن تستقر مستوعبة أحداث الزمان !
نسمة ، و آه يا نسمة فى حبك أنا الجانى و المجنى عليه معا ، نسمة ، ذلك الاسم الذى طبع على صاحبته كل معانيه ، لا أدرى هل أحببتها بعد ميلادى أم أننى خُلِقت به فكل ما أعرفه أننى منذ الصبا و حتى اليوم و أنا أذوب فيها عشقا ، متيم أنا بسحرها الأخاذ الذى يوما بعد يوم كان يتعالى فى النفس صداه و يسافر بى عبر حدود قد لا يكون لى الحق فى اختراقها لكننى لم أكن لأقوى على المقاومة .. أحببتها حتى قبل أن أعرف أن ما أشعر به تجاهها هو الحب ، جمعتنا صفوف الدراسة فى كافة مراحلها إلا المرحلة الجامعية ، كنا أبناء منطقة واحدة ، فى محافظة الأسكندرية ، تشابهنا فى الكثير من الظروف الاجتماعية و المادية كذلك ، بينما كانت هى الكبرى بين أختيها ، أما أنا - يوسف - فكنت الأصغر يكبرنى أخ و أخت ، و قد تزوجا و انتقل كل منهما إلى بيته المستقل بينما بقيت وحدى مع أبى و أمى و قد جاوزا الستين بقليل ، أقعدهما المرض و الكبَر فتراجعت حركاتهما داخل البيت ينتظران النهاية ، كان أبى دوما يردد بأن رسالته فى الحياة قد اقتربت من نهايتها و ما تبقى إلا أن يسلمنى - كما كان يردد - لزوجتى المستقبلية ، و التى كنت أراها فى خيالى دائما نسمة ، ما تخيلت نفسى مع غيرها يوما ..
لم نفترق أنا و هى يوما حينما كانت تضمنا صفوف الدراسة حتى الثانوية ، كنا دائما نلتقى و الشوق يصحبنا و الحب يملأ قلبينا ، لكن دون تصريح ، أحببتها بينى و بين نفسى ، و كتمت هى الحب عنى حتى حان وقت التصريح فى يوم منت علينا به الدنيا و جادت يدها على غير انتظار لتبدأ مراسم القرب فى ذلك الحب الذى كبر و شب و استوى عوده مع كل يوم مر بنا فى العمر ، كان الكل حولنا لا يعرف قصتنا و كنا دائما نحافظ على الخصوصية و سرية علاقتنا حتى لا تصيبنا سهام النقد أو التجريح فى مجتمع يعتبر الحب إثما بل و يحاربه أحيانا تحت مظلة التقاليد و كأن الحب خروج عن النص أو تطاول على الفضيلة ، كان الحب داعيا لنا دائما على التفوق و الظهور فى أبهى صورة ، حتى فى لقاءاتنا التى كانت تتم فى سرية تامة عند إحدى الصديقات - هناء - التى تبنت قصتنا و جعلت من بيتها مأوى للقاء العشيقين ، كان التصريح بالمشاعر فى بيت هناء حينما كنا فى المرحلة الثانوية ، يوم أن لاحظت فى عيونى و عيونها ما نشعر به فسألتها و سألتنى و لما رأت ما يغشانا من شعور يملأ قلبى و قلبها قررت أن تكون البداية عندها لحبها البالغ لى و لها ، فرتبت لذلك اللقاء و ساعدتنا الظروف بها كثيرا فهى وحيدة لوالديها وقد اوهمتهم أن لقاءنا للاستذكار فى غرفة الصالون ، و كانت دائما هى و زوارها محل ثقة من والديها أو فلتقل أن الأب و الأم كانا دائما منشغلين بما لديهما من أعمال و تجارة فكان اللقاء دوما يحمل طابع الخصوصية الشديدة ، بينما كانت هناء لا تجلس معنا أصلا فقد كانت تدخل تلك الشرفة التى ليس لها ممر إلا نفس الغرفة التى نجلس فيها ثم تتركنا لنتجاذب أطراف الحديث ، و فى ذلك اليوم الذى لن أنساه بدات نسمة بالحديث بالتعجب من كوننا جيرانا و زملاء دراسة و مع ذلك لم نجلس معا فى أى وقت مضى ، و بعد الحديث عن قيود مجتمعنا كان الحديث عن المشاعر المقيدة كذلك و كيف يمكن أن تخرج بينما يخشى عليها العاشق عوامل الصدود أو النفور، و هنا كانت نسمة هى المحرر لتلك المشاعر من كل قيد حينما أرادت لى التصريح بما أشعر لأرى هل حقا خوفى على عاطفتى من الصد فى محله أم لا ، و كان النطق حينها بكلمة الحب ، و ما كنت أدرى أن السعادة فى الحب تكون وقت التعبير عنه لمن نحب ، حينها ابتسمت نسمة ابتسامة تملؤها آلاف المشاعر ما بين سكون و حياء ، ما بين أمل و رجاء ، و ما بين حلم و حقيقة ، لمحت فى عينى انتظار كلماتها أو ردها بالأحرى ، و ترددت قليلا ثم قالتها بإحساس نادر يخترق القلب مقتحما كل حصن ، و ما أشهى تلك العبارة حينما يسمعها العاشق من معشوقته ، هو إحساس لا يبقيك على سطح الأرض ، فإن كنت تريد الطيران و التحليق فى مدارات الأفق على امتداد البصر فانصت بقلبك لصوت حبيبك حينما يتلو عليك عبارات الشوق لك ، طافت كلماتها بقلبى و بروحى فى عوالم أخرى لا تتسع إلا لعاشق ، و فى منتصف الحديث سكتت الألسنة و تحدثت القلوب وحدها و كانت العين للعين لغة أخرى تروى آلاف العبارات فى لمحة فقط ، ما كنت أعرف قبلها ان لغة العيون الأم هى لغة الحب ، و لا كنت أعرف قبلها أن القلوب حينما تنطق تتنحى الألسنة فلا تجد دورا لها فى تلك اللغات ..
و توالت اللقاءات فى بيت صديقتنا مرة او مرتين فى الأسبوع ، صرنا أقرب و أقرب يوما بعد يوم ، ما عاد بيننا أسرار نخفيها ، كانت تروى لى كل شئ عنها و كانت تعرف عن حياتى كل تفصيلة ، و ما كان بيننا فى تلك الأيام إلا لمسة اليد لمسة خاطفة لا تتعدى الثوانى ، حتى اختارت لنا تلك الصديقة يوما كان البيت فيه خاويا من والديها ، يومها ذهبنا معها بعد انتهاء درس خاص إلى البيت بدعوة منها و نحن لا ندرى أن والديها قد غادرا منذ الظهيرة لموعد الطبيب الذى يعالج والدتها ، و هنا أدخلتنا - هناء - إلى الصالون ثم خرجت و لم تدخل الشرفة كما عودتنا و هى تقول أنها ستجلس فى غرفتها حتى يقترب موعد وصول أهلها من الخارج ، و لست أدرى لماذا تهللت و انفرجت أساريرى أكثر ما كانت منفرجة ، و جلست إلى جوار نسمة و أنا أبتسم ابتسامة الفرحة لشعورى بالأمان هذه المرة بشكل أكبر ، و أخذنا الحديث الهائم عن ما نجد فى قلوبنا و انطلق اللسان بما يعجز عنه البيان و ما اكتفى لسانى بل عبر كل جسدى و أنا ابن الثامنة عشرة حينها قوى البنيان ، رياضى الهيئة ، طويل القامة ، بينما هى كانت قد اكتملت معالم الأنوثة بداخلها و خارجها ، و طالت لمسة اليد حتى تحولت إلى اشتباك الأصابع و كأنها فى معركة احتضان ، ثم رفعت يدها إلى فمى و قبلتها فى كل أنحائها و كأننى كنت أراها واحة بما حملته رسماتها من وديان خصبة عكست ملامحها على أصابعها و راحة كفها ، نظرت فى عينيها و أطلت النظر حتى اقتربت و اقتربت و هى تتابعنى فى ترقب و اشتياق رفع حرارة أنفاسها و زاد من سرعتها حتى قبلتها فى خدها ثم تراجعت لأجدها مغمضة العينين و كأنها تمنحنى الإذن بالمتابعة ، و تتابعت قبلاتى دونما توقف فى أنحاء وجهها حتى شعرت بشفاهها تناجينى و تطلب القرب من شفتى لكن شجاعتى خانتنى ، خشيت عليها و خشيت على نفسى من لحظة نترك فيها الأرض و نرحل حيث اللاعودة ، و كيف لمن استبد به الظمأ أن لا ينزل بجسده فى نهر ماء عذب صفا أمام عينيه و بلغت عذوبته أقصاها ، ضممتها لصدرى فضمتنى ضمة الأم لوليدها بحنان جعلنى أشعر فيه باستجابة من شعر رأسى حتى قدمى ، زادت الضمة و تمنيت لو أننى أعتصرها حتى تذوب بداخل جسدى فلا تفارقنى بعدها ، نامت فوق صدرى و هى تردد همهمات لم تسمعها أذنى و لكن استقبلها قلبى و تولى عملية تحويلها لحروف و كلمات جعلتنى أمرر يدى فوق رأسها لكن حجبنى غطاء رأسها عن بلوغ أصابعى لشعرها و كان أول ما طلبته منها حينها هو أن أرى شعرها دونما حاجب ، و آه من تلك اللحظة حينما ابتسمت مستجيبة و هى تخلع عنها غطاءها و تفرد شعرها بيديها لينسدل على كتفيها بتحرر و كأنه كان يريد ذلك ، و هنا اكتملت اللوحة الفنية لذلك الجمال و رأيته بوضوح و بعين لم تشاهده من قبل ، عيناها العسليتان كبحرين عميقين بين شاطئين فى غاية الرحابة و الاتساع ، لا يخوضهما إلا بحار ماهر متمرس طاف بسفنه آلاف الرحلات حتى نال من خبرة الأمواج ما ينقذه من الغرق ، أجفانها و أهدابها تحكى عن السحر الحلال حكاية من أسره السهد بينهما ، جبينها الذى جعلنى أرى فيه الأفق وقت شروق الشمس ، أنفها الأقنى الذى ما شهدت مثله لا من قبل و لا من بعد ، أما بعد .. خدها الذى تلون بلون النبيذ و حمل صفاته فى جعلى أترنح كمن شرب الخمر حتى الثمالة ، شفاهها نهران تعانقا و تكاملا فى العذوبة و الرقة و الألوان الزاهية البهية ، و عنقها الذى فى خفة التفاتته كعنق الظبى المترقب يتحرك كما يحلو له ببطء و برشاقة ، بدقة و بعشوائية ، و هل مثلى من يقوى على تحمل هذا الجمال ! و آه من شعرها المسدول فوق كتفيها بنعومة و نضارة تجعلها كفيلة بنيل جائزة فى جمال الشعر و نعومته و سواده الحالك الذى ينير مع ظلمته وجهها الأبيض ، يا لجرأته حينما ينزل بجسارة على ظهرها فيغطيه ليوارى ما ترتديه فلا أراه إلا إذا انحسر عن ثوبها أو ناجاها أن يمر على صدرها فارتحلت هى به لتعكس اتجاهاته ، قصيرة هى بعض الشئ لكنها ملفوفة القوام ، جسدها قد استدار و استنار بما حواه من معالم الأنوثة ما بين نهدين منتصبين ملء اليد ، و ما بين خصر نحيل يزيد و ينمو كلما اتجه إلى الأسفل حتى يشكل أكثر المناطق إغراءً و جمالا و أنوثة ، أردافها رائعة التكوير متسقة البروز من اتجاه الخلف و من الجانبين كذلك ، سيقانها ليست إلا تكلمة للنقش الفنى المحكم من أعلى الكعب إلى الخصر تلتف و تستدير فى تناغم و بهاء ، بضُّ جسدها حينما تخطو فتراه كموج البحر انسيابية و هدوءا أو مدا و جزرا أحيانا ..
كان عبيرها و هى نائمة على صدرى متدفق إلى قلبى الذى استقبله بفرحة ليحفر وسمه على جدرانه فما فارقنى بعدها و لا استطاعت أن تستتر عنى فى مكان ، كنت أشعر بذلك العبير و يخفق له القلب بشكل متتابع حينما يستشعر وجودها ، قبلت رأسها و جبينها و أنا أقدم لها كل الوعود بأن يبقى ما فى القلب على حاله هذا حتى لو بلغنا نهاية العمر ، و عاد الشوق يناجينى للارتواء من كأس الخمر العتيق الممتلئ برحيق نسمة الفجر الربيعى ، ذلك النبع المتدفق فى شفتيها لم يترك فى عقلى و لو نقطة من بحره ، جفت ينابيع العقل و حلت محله صحراء قاحلة تناشدنى أن أحيلها مرة أخرى مروجا و أنهارا و أرضا خصبة تنبت الزرع و الثمر ، و لبيت النداء و استجبت للمناشدة و اقتربت حتى بلغت شفتيها بشفتى ، و آه من تلك اللحظة التى لا زلت حتى اليوم أستشعر نبضاتها فى القلب و طعمها الذى جعل الدماء فى عروقى تتدفق تدفق السيل منحدرا من جبال شاهقة الارتفاع ، و يا لروعة الاحساس بارتواء القلب مع الأوردة من عذوبة شفتيها ، لا تحتاج القبلة لخبير حتى يستشعر حلاوتها و ما انطوت عليه من جمال و خيال ، فقط اغمض عينيك و اقترب بشفاهك من شفاه الحبيبة و اترك نفسك تتنعم حتى تشبع ، و من أين يأتى الشبع ! و هل للقبلة نهاية ! لو قضيت العمر أنهل من تلك الشفاه ما تراجعت حتى يمر الصيف فلا تشقينى حرارته و حتى يجئ الشتاء فلا يطاردنى ببرودته ، و ما الدنيا بين أحضانها إلا نسمة ، نسمة ربيع لم يخالف قواعد اسمه ، كنت أشعر مع كل ضمة لها بأن الكون يحتفل معى ، ازدادت تغريدات الطير رنينا و زاد حفيف ورق الشجر نعومة ، و لربما صفا الجو و انتفت منه الأتربة و الغبار و الدخان ، ما هذه الدنيا كما تعودتها قبل ذلك اليوم ، زادت القبلات اشتعالا ، و أضاءت الأحضان صدرى فشعرت بمراسم تبادل القلوب ما بين صدرى و صدرها ، و كأنهما قد التحما فصارا واحدا ، و ما كنت أعرف أن الحب و هو فى تلك اللحظات يحرر الدمع فيتساقط مطرا على الوجنات ، من بكى قبل الآخر ! أنا أم هى ، لست أدرى ، من مد يده قبل الآخر ليمسح دموع حبيبه ! لا أعلم ، كل ما أعلمه أن حروف اللغة بأكملها قد فرت و لم يبق منها إلا الحاء و الباء و بنفس هذا الترتيب المخالف لقواعد الأبجدية ، لكن شريعة الحب لها سطوة تقهر كل القوانين و لا تعترف إلا بقوانينها هى ..
لا أذكر كيف انتهى اللقاء يومها لكن ما أعرفه اننى تمنيت ألا ينتهى و لو كان بيدى لجعلت الأرض تتوقف عن الدوران فلا شمس تغيب و لا ليل يأتى ، و مرت الأيام لكننا لم ننعم مرة أخرى بلقاء كهذا حتى كان تخرجنا من الثانوية و التحقت أنا بكلية الهندسة بينما التحقت نسمة بكلية العلوم ، و حينما التحقت بالكلية فى أول أسبوع كان لنا لقاء جديد بدعوة من هناء التى التحقت بإحدى الجامعات الخاصة لتدرس العلوم الإدارية ، و كان ذلك اليوم هو يوم الميثاق بينى و بينها بأن نبقى مدى الحياة معا لا يفرقنا أى شئ مهما كانت قوته ، يومها وجدت حبيبتى تردد العهد و تمليه علىّ حتى أردده وراءها ، و هل نحتاج لعهد بالألسنة يا منية النفس ! لقد تعاهدت القلوب فما عاد هنالك قوة تنقض ما تعاهدت عليه ، فقدنا السلطان عليها و تحررت من كل القيود ، و ما تريد النفس أن تخلفه و لا الروح ترضى عن الحياة اذا انتقض ..
و كانت الجامعة فيما بعد هى مكان اللقاء اليومى بيننا ، كنت أحيا حياة فوق الحياة ، فى سعادة ما لها من وصف ، كنت أقول بينى و بين نفسى لو كان هنالك عاشق نال السعادة الكاملة فى عشقه من قرب و وصال و وئام و سلام و تصالح مع النفس و مع الحب لكنت أنا ، و من توافيه الدنيا بقرب الحبيب فلا يسأل بعدها أبدا عن سوء الحظ ، لكن جمال الحياة لا يدوم ، و لحظات السعادة لا بد أن تفسح لمشاعر أخرى المجال حتى تستمر دورة الكون و تقلب الأحوال ، كانت نسمة فى السنة النهائية عندما تقدم لخطبتها شاب فرحت به أسرتها كثيرا ، و قرروا أن يمنحوه ردهم بعد يومين ، و هنا كان لا بد من اللقاء لدى هناء و التى رتبت له كما كانت ترتب دوما فى السابق فانطلقت فى الموعد لأجد حبيبتى فى انتظارى لديها ، و من ثم تركتنا و دخلت إلى حيث تجلس لتفسح لنا المجال للنقاش ، و ما كان نقاشا يومها ، كان الحضن هو أول كلام بعده الدمع الذى كان يشبه الأمطار الصيفية التى تفاجئ الأبدان بسقوطها فوقها لتخفف من وطأة الحر ، غير أن هذا الدمع لم يخفف من وطأة الحزن ، بل جعل رؤية الغد بعين الأمس أمرا مستحيلا ، و برغم كونها تعلم أن فراقنا قد اقترب إلا أنها لم تحملنى أبدا فوق طاقتى أو تطلب منى أن أظهر فى الصورة أمام أهلها لخوفها على شعورى حينما ينفجر أبوها فى وجهى مقارنا بينى و بين - طارق - ذلك الشاب الجاهز كما يحلو للجميع أن يقولوا ، نعم قد أتم استعداده للزواج بعد التخرج مباشرة ، و حينما تتخرج هى يتبقى لى أنا عام فى الجامعة و عام آخر فى الجندية لو لم يكن أكثر ثم بعدها أبدأ فى شق طريقى نحو بناء المستقبل ، و لا علم لدىّ و لا لديها كم سيستغرق ذلك من وقت ينخر فى عظمى قبل لحمى حتى أكون أهلا للمثول أمام والدها أطلب يدها ، ربتت على كتفى بيديها و هى تقول ، لا تحزن و لا تئن بما تحمله فى قلبك ، أشعر بك يا أمل الحاضر و المستقبل ، لا تترك شعور السخط أو النقمة على ما وجدناه من دنيانا ، فلا ذنب لظروفك فيه و لا ذنب لى إلا أننا أحببنا فعاندتنا الدنيا ، لكن لو عاندتنى سأعاندها و بنفس الصلف و الجحود ، لن أترك دنياى تصيب قلبينا بالفراق و لو كان بينى و بينك ألف سد لهدمتهم ، لقد حاولت كثيرا ان أظهر لهم عدم رغبتى فى الارتباط به أو بغيره فعاندونى ، بكيت و استرحمتهم فما استمعوا لبكائى و لا رأوا دموعى ، بل ما رأوا غير إرادتهم و هى تسحق إرادتى و أحلامى تحت وطأة التسلط و السيطرة ، فليكن من أمرهم ما أرادوا و ليكن لنا ما نريد ، لن تنتهى قصتنا كما اعتادت أقلام الكتاب أن تنهيها حينما أرتدى ثياب العرس و أذهب مع زوجى لتجلس أنت وحدك سجين حزنك تتجرع مرارة الأيام لتلقانى فى طريق مصادفة تنظر عيناك إلى عينى و بهما من الحسرة و آلام الذكرى ما يكدر صفو عيشك ، لا عشت يوما فى دنياى إن تركتك لهذا الحال ، بل سيمضى كل شئ كما هو و لتكن الخطبة كما أرادوا و لتبق قلوبنا على عهدها ..
ليس بإمكانى أبدا وصف ما به شعرت حينها ، كنت أظنه سيكون لقاء وداع فإذا به تجديد للعهد و إعلان لدوامه و بقائه حتى لو سيأخذنا إلى غياهب المجهول ، و إن كانت هذه إرادة نسمة و هى الأنثى الرقيقة الضعيفة التى ربما لو استكانت ما كان عليها لوم فماذا عنى أنا ! بكل عزم و إصرار سأمضى قدما معك خطواتنا واحدة و طريقنا لن يتغير ، وكيف الفرار و فى عينيك حلم جميل ، و ليل طويل يراود الحلم أن يستمر ، لماذا الفرار و عيناك سحر عميق الأثر ، و قلبك بئر عميق القرار ، و ليلك جنة العاشق الحذر ، يدور بأبواب قصر الحياة ، و هل سيبلغ من دنياه الأمل و قد بلغته الدنيا نهايته ، فعاد يناجيكى لعلكى تشفقين عليه و تأذنى له بالدخول لقصر الحياة ، فإذا بك تفتحين له جميع الأبواب ليقيم معك فيه إقامة لا تعرف الانتهاء .. احتار قلبى فى وصفك فما استطاع أن يوفى بما تستحقين ، و بين المعانى طاف لعله يجد ما يعينه ، لهذا الحد يجدك فوق الخيال بخيال ، كنسمة صيف هادئة ، كهدوء الليل أو مثل سكون الصمت ، دافئة مثل طلعة شمس نهار فى شتاء بارد ، و كلماتك ، آه من كلماتك ، تتهادى تلك الكلمات إلى السمع بوقع موسيقى شجى اللحن و النغمات .، و ضحكاتك ، كموجة مدها البحر لتداعب من جلس فوق الرمال فتغرقه ليشعر بعدها بانتعاش يخترق الروح و الجسد معا .. و لمس أصابعك كقطرات المطر الحانية بكل ما تحمله من طهر و نقاء نزلت لتزيل غبار الطريق من فوق وجه المسافر بعد طول المشوار .. و نداؤك يبعث فى النفس سرورا لا يعادله سرور ، فما كان أحوج القلب إلى ما يسعده ، و ما أبهج النفس حين ترتاح بعد معاناة من وخز الألم و طعنات الأقدار ، و ما أمتع الحياة حين يحلو بها الامل و كلما اقترب و اقترب يزيد تعلق النفس به ، و برغم بعده و ما تحجبه المسافات و السدود ، إلا أن العين دوما تراه قريبا ، فلا عوائق تحجب متعة الخيال و لا حدود لواحة الاحلام و الآمال .. و ما الرحيل عنها إلا مثل فراق أم لوليدها ، فلا عناء أكثر منه ، و لا شقاء أصعب على النفس من ذاك الشقاء ..
و بقى ما بيننا كما هو بل أعمق حتى و هى على وشك الارتباط الدائم بغيرى بقيت على العهد ، كنا نلتقى دوما عند صديقتنا كما كنا و ازدادت لقاءاتنا استعارا فما كنا نقضى وقتنا إلا فى الأحضان و ترجمات العشق على الشفتين و الخدين ، كان الحب يحل لنا ما حرمته الدنيا على قلوبنا ، و هل فى شرع الحب ما هو ممنوع على العاشقين ! و فى يوم كان البيت خاليا كذلك من والد هناء و والدتها و عندما دخلنا أغلقت هناء باب البيت من الداخل و دلفت إلى حجرتها لتترك لنا الحرية ، يومها استحللت كل جسدها و طافت يدى فى جميع أرجائه ما بين النهدين الى الخصر إلى الردفين و حتى سيقانها ما تركتهما يداى ، و جلسنا على الأريكة و نحن فى تلك الحميمية حتى اتكأت و استندت بظهرها و فردت جسدها و أنا فوقها ألثم شفتيها الورديتين و أمر بشفاهى على عنقها ، و زاد الشوق حتى أننا لم ننتبه لأنفسنا حينما صرنا على الأرض ، وجدت نفسى نائما فى حضنها على حرف ، فهممت للنوم فوق جسدها فاستقبلتنى بذراعيها و عيناها فى عينى و شفاهها تتلاحم مع شفاهى و احتضنتنى بيديها و هى تمسح بهما على ظهرى جيئة و ذهابا ، تنوعت القبلات ما بين قبلة خاطفة و أخرى مستغرقة متعمقة ، شعرت بحركاتى الخفيفة فوق جسدها فعاونتنى بشد و جذب لخصرى فوقها و كأنها أرادت لى الاستمتاع بلا أى نوع من الحرمان ، مددت يدى لأمسك بنهديها فمازحتنى برفض مصطنع ثم نامت على بطنها فوق السجادة الحمراء تمددت فوقها و أنا لا أدرى هل أنا متيقظ أعى ما أفعله أم أننى فى حلم ليلة صيفية ، و روحت أتحرك فوقها بهدوء و أناة و انا أمسك بكتفيها تارة و ألف يدى تحت أثدائها تارة أخرى فأعتصرهما لأستمع إلى زفراتها و عبراتها و همهماتها المتلهفة ، و بينما أنا فى قبلاتى لخدها و عنقها أجدها تلتف برقبتها لتمد شفاهها طالبة القبلة و هى تناجينى بأنفاسها المحترقة ، قبلتها و أنا أكمل حراكى فوقها حتى هممت أن أرفع ثيابها حتى أمتع عينى بما استتر ، لكنها منعتنى و قالت لا تتعجل و اترك كل شئ لوقته ، آه من خوفى ألا يجئ ذلك الوقت ، أكملت حراكى حتى هدأت نفسى بما فاض به ذلك الشلباق الهتاك داخل ثيابى بينما هى استشعرت ذلك بحدسها فابتسمت قائلة هل اكتفيت ! و كيف أكتفى و أنا معك و جسدى فوق جسدك يستمتع به أيما استمتاع ! فى كل يوم معك أستعذب الحب و أكتشف أن فيه ما لم أكن اتخيله ، كم أحبك و كم أتمنى أن أبقى طيلة عمرى بين يديك ! آه من الدنيا لو توافينى على غير موعد فتجمعنى بك أبد الدهر !
كم حاولنا التغيير و التمرد على تلك الظروف التى ستحرمنا عما قريب من هذا اللقاء لكن باءت كل محاولاتنا بالفشل ، و تخرجت قبلى بعام لأن كليتها غير كليتى و اقترب موعد الزفاف فكنا نلتقى حينها كل يوم ، فى أى مكان متاح ، كانت دوما تردد أنها حتى و إن كانت لغيرى بجسدها فلن يكون قلبها إلا معى ، و ما ضر الجسد طالما بقى القلب و الروح معى و لى ، هكذا كانت تفكر و هكذا استجاب العقل منى لما أملته علىّ ، استرجتنى و ناشدتنى أن أسيطر على مشاعر غيرتى حينما كانت تلمحها فى نبرات صوتى ، و لكن كيف لى أن أسيطر عليها و هى تحرق قلبى و تسرى كالحميم فى دمائى ! لم نفكر وقتها فى تسمية لعلاقتنا بعد زواجها لكن كل ما فكرنا فيه كيف سيكون لها الحرية العظمى فى اللقاء بى وقتما شئنا ، و حان موعد الزفاف و ناشدتنى أن أكون إلى جوارها فى تلك الليلة لا أفارقها حتى تصل إلى بيت زوجها ، كانت تعرف كيف سيكون وقع تلك الليلة على قلبى و عقلى و عينى و كل جوارحى لكنها أرادت أن تواسينى بنفسها و أواسيها بنفسى فمن لها غيرى و من لى غيرها ! و ذهبت و أنا احاول دفن حزنى بين ضلوعى ، و أصارع ما تجرعته فى الحلق من مرارة ، و ها قد تزينت نسمة و تهيأت لاستقبال زوجها - طارق - ياله من محظوظ ، حلمت أنا و تمنيت و جاء هو ليحقق ما حلمت به و لكن لنفسه ، ترى كيف ستكون ليلتهما ، هل ستذكرنى و هى بين أحضانه ، هل سيحتضنها من الأساس ، هل سينازعها الشوق لتتمنى لو كنت أنا مكانه ! آه من مرارة تلك اللحظات التى فيها كنت أفكر ، لكن عينيها لم تترك لى الفرصة للتفكير فكانت نظراتها لى وحدى و كانت عينى لا تفارقها قيد طرفة ، و امتنعت أمامى عن كل لمسة من يده لها ، حتى عندما أراد أن يلبسها خاتم الزواج قامت هى بذلك و نظرت نحوى و كأنها تعلن لى أن ذلك حقى وحدى ! لو كان الأمر كذلك يا حبيبة الروح فهو وحده صاحب الحق الآن فكيف سترعين حقوقه و أنت لا زلتى تتمسكين بعهدك معى ! غريب أمر هذا الحب ، يجرد الملوك من عروشهم و يمنحها للعوام و لا يستجيب لصراخ هذا أو يشارك ذلك سعادته ، أليس صرفا من جنون أن تفكرى أو أفكر أنا بهذا الشكل و بعد قليل ستكونان فى غرفة واحدة بل فى مخدع واحد !
فليكن ما يكون ، ما عاد برضاى و لا بمنعى ، كانت هنالك سنة متبقية لى فى كلية الهندسة و قررت أن تكتمل ثم من بعدها ربما كان هنالك جديد ، لكن بقيت نار الشوق إلى نسمة تضنينى و الجراح تعتمل فى صدرى ، و مر يوم بعد يوم و أنا فى غياب عن الوعى و لا أذكر كيف مرت الدقائق و لا الساعات فى غيابها و كلما تخيلتها فى أحضانه تمزقت ضلوعى ألما و اشتعلت نيران الوجد كالمهل يسرى فى الدماء ، كنت أشعر فى تلك الأيام بالغربة التامة ، حتى أبى و أمى بهما من أمراض الشيخوخة ما بهما و ما عادا يقضيان وقتهما إلا فى النوم أو الجلوس معا فى الشرفة نظرا لتمركز الأمراض فى السيقان و العظام فكيف لى أن أفتح معهما مجالا لنقاش يزيد جراحهما أو يتقاسما معى مرارة الألم فى الإخفاق فى تحقيق حلم العمر ! و حينما مضى أول شهر على زواج نسمة و بينما كنت قادما من الخارج رأيتها تسير و إلى جوارها زوجها ، و لم أشهد فى حياتى مرارة كما شهدت فى تلك اللحظة ، و سرت أمامهما و أنا أتمنى ان انظر خلفى حتى أراها ، كم اشتقت إليها ، لكننى تماسكت حتى وصلت إلى بيتنا و لم تمض سوى ساعة واحدة حتى سمعت طرقات على باب شقتنا ، و عندما ذهبت لأفتح الباب وجدتها تقف و فى عينيها ألف نداء ، لم أكن وقتها مصدقا لما أراه ..عيناها قد ازدادت سحرا فوق السحر و صوتها زادت رقته و نعومته و هى تلقى علىّ التحية و تمد يدها لتسلم علىّ ، و ما اكتفيت بالسلام ، بل سحبت يدها نحو فمى و طبعت فوقها قبلة سالت معها دموع العين حتى اغرقت يدها ، مسحت بيدها على شعرى لأنظر إليها و ما كان حالها حينذلك أقل من حالى بل ربما كان أقسى و أشد ، لم يكن كلامها وقتها كثيرا لكنها طلبت ان تدخل لتلقى التحية على أبى و امى و قد كان وقت نومهما بالنهار فاعتذرت لها ثم هممت ان اوقظهما لكنها رفضت و قالت أنها جاءت فقط لتطمئن علىّ و تطمئننى ، و بينما ننظر فى اشتياق و وجد ساد الصمت قليلا ثم دخلت و أغلقت الباب و احتضنتنى كأنها عادت من سفر طويل و غربة و اشتاقت لحضنى و ضمتى ، كنت سأموت يا نسمة لو لم تفعليها فما كنت أجرؤ أنا على فعلها ، حسبتك نسيتى الوعد أو طمس الوعد الحقيقى معالمه ، و رحت ألثم شفاهها بقبلات محمومة مستعرة ذابت معها حنايا الفؤاد ، ثم سمعنا صوتا فى غرفة نوم أبى و امى فانطلقنا بلا تفكير نحو غرفتى و أغلقنا الباب خلفنا و بقيت انا و هى نتبادل الأحضان نتحدى الأشواق بالقبلات ، تارة منها و تارة منى ، كانت قد أبلغتهم فى البيت انها على موعد مع ثلة من صديقاتها و جاراتها فى الحى و ستبقى معهن ساعة لا أكثر ، كان زوجها ينتظرها هناك بينما هى أخبرته قبل ان تخرج أن لا داعى لذهابه معها حتى لا يسبب لهن الحرج ..
آه يا نسمة ! للمرة الأولى تدخلين حجرتى لكن الدنيا قد أقامت السدود بيننا بذلك الخاتم فى إصبعك ، لكن هل هو فعلا عائق و نحن نتعانق بكل حرية و أريحية ، و شفاهنا تختلط فلا تعرف حينها من منا يرتشف من رحيق الآخر ، كانت ضمتها فى ذلك اليوم مختلفة ، قبلاتها كانت مختلفة ، عطرها كان أزكى و جسدها كان بين يدى أشهى ، لم أكن اعلم أن الخروج من البكارة و الولوج لعالم النساء سيجعل من جاذبيتها قوة تسيطر لتغيب العقل و تذهبه فلا يبقى له وعى و لا سلطان ، و ازداد سعير القبلات و ما عادت الأرض تحملنا فاستدارت فى حضنى و منحتنى ظهرها و ما احتواه من اغراء يقبع عند ردفيها لتمسح بهما تلك المنطقة النارية التى سرعان ما استجاب لها الأملس فرتع و بحث عن المرعى ليتجول فى محيط أردافها بينما هو حبيس لا يمكن فك أسره بهذه السرعة ، مالت بعنقها على كتفى و سحبت يدى لتضعهما على نهديها و كانها تخبرنى أن لا شئ بيننا قد تغير فلأقترب أكثر و أتصرف كما يحلو لى ، ارتعشت يداى و هما تطوفان على صدرها و محيطه و جنباته ، كنت اشعر بصدرها قبل اليوم انه متوسط الحجم لكننى اليوم أشعر به بين يدى أكبر بكثير مما تصورته و حينما رأت منى الحرج فى اقتحام جسدها أرادت أن تشعرنى ان جسدها كذلك ملكى قبل الروح و القلب فأجلستنى على حافة السرير و جلست فوق ساقى اليمنى و هى تداعب شفتى السفلى بإصبعها كمداعبة الصغار ثم هبطت بشفتيها فوق شفاهى ترتشف هى مما تركته شفاهها من رحيق ، و اعتدلت فى جلستى و ضممتها مرة أخرى لصدرى و كف اللسان عن الحديث فناجاها القلب و هى تصغى إليه قائلا :
حبيبتى .. هل طلبتى يوما من القمر ضياءه فمنحك إياه دون تردد ؟ هل طلبتى الدفء من الشمس فما توانت فى منحك إياه ؟ هل طلبتى من الليل هدوءه و من النهار نشاطه و تفاعله و من المطر طهوره و نقاءه و من النسمة رقتها و نعومتها ؟ هل تعرفين ما اقصد ؟ لا أقصد إلا أن كل هؤلاء قد منحوكى صفاتهم ، لم اقصد انهم منحوكى شعورا بهم كما يمنحون للجميع ، بل إنهم آثروكى بتلك العطايا ، فظهرتى لعينى فى أبهى صورة ، و توغلتى فى قلبى حتى أصبحتى مع الدماء تتدفقين إلى الأوردة التى تمر على سائر الجسد ، و كيف لى ان أقاوم و فيكى وجدت كل ما احببت من القمر و الشمس و الليل و النهار و المطر و النسيم .. حبيبتى .. قد يمر العمر و لا أتمكن من قول كل كلماتى فى المواجهة ، لكنها حتما سوف تصلك قبل نهاية العمر و حينها سيكون لى عمرا جديدا لم اطلبه ، إنه عمر الحب ..
و ما برح قلبها يسمع مناجاتى حتى انفعل و استجاب فأجاب و أصغيت لصوته و هو يناجينى بحديثه العذب الشجى و هو يقول :
بين سكون الليل و هدوئه أرى صمت عينيك رغم صوت حروفك .. و أرى عينى تعشق ذلك الصمت المقيم طويلا فى ملامحك .. و يعشق سمعى تلك الحروف المنبعثة فى شجون من شفتيك .. و ما بين حدود و مسافات يصيبنى الحزن لعجزى عن ترجمة معانى الصمت ، و الفرح و السعادة لتلقى تلك الكلمات الحانية ؛ و ما الذى بمقدوره وصف السعادة فى قلبى حينما تخرج ابتسامتك و أرى نفسى سببا فيها .. و ما أضعفنى وقت غيابك حينما تجتاحنى أعاصير الحنين إليك .. حبيب القلب و منية الروح .. بلغ الشوق منى ما بلغ ، و تخطت نوازعه كل مدى ، و لكن مع الشروق يتجدد الامل ، و وقت الغروب يتجدد الإحساس .. و فى هدوء الليل يثور القلب و تنتفض اوردته ، و تفيض العبارات الواصفة لسحرك الذى قد تخلل فى الاعماق و اتخذ طريقه يداعب مهجتى ، ما عرفت مع حبك قسوة ، و لا رأيت من الدنيا غير الحنان منذ اشرقت شموسك على قلبى من عالم الغيب ، و لكن القلب إذا صبر و استمتع بما يشعر به ، فكيف للعين أن تصبر و قد عشقت ملامحك ، و كيف للسمع أن يصبر و قد شهد صوتك نغمات لحن تعزفه موسيقى الكون .. ما لنا من حيلة و ما علينا إلا الصبر حينما تنطق الجوانح ثائرة لتعلنها لك وقت الاشتياق .. و ما وقت الاشتياق لينتهى طالما كانت فى القلب حياة ، و ما حياة القلب الا فى الحب ، و ما الحب الا قليلا بين ما اشعر به ، و ما اشعر به لا يستطيع الواصفون وصفه كما أن كتب العاشقين لم تعهد حبيبا مثلك بين صفحاتها..
حديث تكفلت القلوب بنقله و أى لسان يمكننه قول هذا فى مثل ذلك الموقف الذى رحنا فيه خلف حدود الثبات ، ما لتلك القيود من وجود ، كل شئ مباح و الوقت و الأمان بهما من الإتاحة ما يكفى و يزيد ، و نيران الوجد متقدة تتاجج شعلتها ، و الثورة على الدنيا و حواجزها فى أوج تمردها ، تعالت نبضات القلب و تسارعت و زاد صوت الانفاس حدة و عمقا ، و انتفض جسدى و جسدها مع ضمة كان كل منا يعتصر فيها الآخر فتمددت على الفراش و هى معى ، نظرت لوجهها فرأيت ابتسامتها تملأ عينيها و شفتيها ، قبلتها و انا متلهف أكثر من ذى قبل ، تبادلنا المواقع مرة تعتلينى و مرة اعتليها و فى كل مرة نلتقى فى قبلة محمومة ، فقدنا العقل و لم يبق غير صوت المشاعر و الشوق ، مددت يدى من جديد على صدرها أروح و أغتدى بيدى فى حدائقه و مدت يدها تداعب شعر صدرى و تزيد فى لمساتها حتى شقت ثيابى و هى تهبط بقبلاتها على صدرى فاحتدت همسات الوجد فى عقلى و تحولت إلى صرخات تناشدنى المبادرة ، فمددت يدى أقبض على ردفيها و هى لا زالت فوقى و تطالولت يدى ترفع بالتنورة حثيثا حتى وجدت نفسى ألمس قميصها لإازحته هو الآخر و ادخلت يدى لأزيل تلك القطعة المحظوظة التى تغطى ردفيها و مقعورها ، فوجدتها تتركنى أفعل ما حلا لى لكنها رات ان وضعها فوقى يعيقنى عن إتمام ما أريد فجلست و مدت يدها لى لتجلسنى كذلك ثم مدت يدها لتداعب شعرى و هى تقول لماذا تركته دون تصفيف ! فداعبتها و ماذا عن شعرك انت ! فازالت عنه كل غطاء و هى تبتسم و تخبرنى كم هو مشتاق للمساتى ، و أسدلته على كتفها و قد ملأ صدرى بعبيره الساحر فمددت يدى أصففه لها و أمشطه بأناملى ثم احتضنت خديها بيدى و قبلتها قبلات متتابعه فى الجبين و فوق الخدين و على الشفاه ثم وقفت و مددت لها يدى لتقف و هى تنظر فى عينى بجانب عينيها و كانها تشير لى انها تفهم ما أريد ، وقفت و قد غمرتها بحضن عميق اتبعته بقبلات بشفاه تنافس شفتيها فى نزال غلبته العاطفة حتى استبد بنا الشوق لما هو أبعد فمددت يدى أزيل عنها ثيابها قليلا بتحرج و حياء فتابعت معى تعاوننى و أنفاسها مرتعدة و جسدها يفوق جسدى فى رعشته ، و فى لحظات كان كل جسدها امام عينى لا يحجبه ستر و لا يمنعه عنى مانع ، ما كنت أدرى أن النظر وحده كفيل بتحقيق المتعة و لا علمت أن الارتواء قد يحدث من ضمة بين جسدين عاريين ، هكذا كان حالنا ، كنت أشعر بجسدها و ما يتصاعد منه من لهيب و حرارة فأتراجع لأنظر فى عينيها فاجد الصمت فلا أدرى هل هى تأمرنى بالمتابعة ام انها تطالبنى بالتوقف ، حتى استشعرت ما أخاطب به نفسى سرا فوجدتها تمد يديها لتحتضن وجهى و تقترب بشفتيها و عيناها فى حال المناجاة بالكاد أقدر ان أرى حدقتيها من الجفون شبه المطبقة ، حررتنى هى الآن من كل قيد فاستويت فى قبلاتى ما بين شفتها العليا ثم الدنيا حتى تلاشت معالم الزينة من وجهها تماما و انطبعت على شفاهى انا و ما فكرنا كيف ستعيدها او كيف ستعود بدونها !
نظرت إلى نهديها فالتقت عينى بهما للمرة الأولى ، سحر فاق كل سحر ، لو ان لفظ الجمال أراد لنفسه الإقامة فى لفظ واحد لكان نهديها ، مستديران بشكل خلاب ، منتصبان فى شموخ و إباء تزينهما حبتان من الكريز بارزتان فى صمود و قوة بشكل دفعنى دفعا محموما لأتلقفهما بشفتىّ ، ما اجمل الرضاعة فى الكبر و ما أشهى النهدين حينما تقبض عليهما يداى و شفتاى معا ، تعالى انينها و تأوهاتها و هى تمسح بيدها على شعرى حتى وجدتها تعقصه بيديها ، نزلت على ركبتى امامها حتى استويت بنظرى إلى خصرها فاحتضنته هو الآخر و نمت بخدى فوق مبتدأ مصفحها فملأت أنفاسى رائحته الشهية ، أين توارى عنى كل ذلك قبل اليوم ! ليتنى استكشفت كل تلك المعالم النجية قبل اليوم حتى لا أضيع وقتى فى الانبهار فيكون لقائى هذا قضاءً لصوم كل تلك الأعوام ! لكم اشتقت إليك أيها المسبول ! ها انت اليوم امامى لأجعل من صمتك رعدا لا ينفك حتى يروينى بأمطار و سيول لن تكون إلى داخل فمى ، تعال إلى شفتى الحانيتين و لسانى المشفق عليك من ألم أصابك فى الأيام السابقة ، الآن حان وقت شفائك من اى وجع اعتراك ، و تتابعت قبلاتى له بينما قد ارتعد فخذاها فرأيت حركاتهما وسط الرعشة كنفض الحمامة لجناحها و لريشها و قد أصابتها زخات المطر قليلا و ىه من نشوتى فى رؤيتهما و بياضهما يحيل الظلام ليلا ، كان جسدها فى قمة النضارة ، و كيف لا و هى معتدلة الوزن غير ان ما برز من جسدها كان يحمل طابعا فريدا فى الليونة و الطراوة ، هل سانسى تلك الحبيبة القابعة بالخلف ، استديرى يا مليكتى حتى أنعم برؤية أردافك المصقلة المثقلة بنظرات عينى طيلة سنوات يحرقنى الشوق إليهما ، أشبعت شفاهى تقبيلا لها ، ما أروع انحناءها كما لو كان هناك فرجار رسم استدارتها و ما أعاد ، ما أتقن بروزها كما لو انها خلقت لهذا الجسد وحده لتمتعنى بمجرد النظر إليها ، ما أبرع استدارة فخذيها و نزولهما بشكل مغزلى بتناغم و اطراد لا مثيل لهما ، أما حان الوقت لأنزل فى النهر بجسدى أزيل عنه غبار سنوات الحرمان ! بلى قد حان ، أخذتها من يدها فأرحتها على فراشى بينما لا زال جسدها يرتعد ، و كيف لى ان اطمئنه ، لمحت عينيها ترمق ذلك الهرماق المنتصب امام جسدها فما استكان و لا زادته نظرات خوفها إلا قوة و ثباتا ، و انسدحت بين فخذيها أتابع بنظرى كيف يبدو ذلك العص الذى ناجانى بتتابع قبض و بسط مشافره ، و هل سأتركه دون مصافحة لسانى لأركانه و جنباته ، ما رأيت حريرا و لا ديباجا انعم منه ، كان فى نعومة خديها ، يحيط به بياض الثلج بينما هو يبقى وسط البياض كأنف الأنثى السويدية فى يوم جليدى و قد اتخذت من الحمرة منقذا لانفاسها من البرودة فتضبط حرارتها قبل ان تدخل الرئتين ، شفاهه متوارية مطبقة و كانها لا زالت بكرا لم يخترقها هتاك ، لكن حتى و لو كان ، ساعتبر هتاكى هو اول مخترق لذلك المسبول ، و غرقت فى بحر اللذة معه و لثمته بقبلاتى المحمومة و جعلت من لسانى ممهدا لزيارة فرطاسى له حتى استمعت للسانها يلهج بالنداء ليستحثنى على الولوج ، فقمت من فورى لأقبض على ذلك الاملس بيدى لاوجهه نحو مدخل بضعها و أراوده حتى يدخل ببطء فلا يؤذيها ، كان يتضح عليه الإجهاد من معارك متواصلة فى تلك الليالى الماضية ، و حينما استقر بداخلها سالت دموعها و هى تخبرنى انها كانت تتمنى ان اكون انا اول من يفعلها ، لكن وقعت الواقعة و ما كان بيدها ان تمانع حينما أرادت ذلك ليلة بعد ليلة حتى مرت ثلاث ليال دونما جماع بينهما حتى ثارت ثائرة زوجها فأسمعها عبارات الاتهام الصريح بانها تتمنع عليه مخافة من افتضاح امرها لانها ليست بكرا و بانه سيستدعى اهلها حتى يرون بانفسهم كيف خدعوه و برغم احتراقها و هى تلبى نداءه شهواته إلا انها لطمت خده بعد فض بكارتها مباشرة لتؤدبه على ما قال ..
اتركى ما مضى لا أريد أن تبررى لى ما جرى ، ما يهمنى هو ما نحن فيه ، ألامس النجوم و أعانق السحاب و اطوى الكون بين جناحى ، و عدت أرهز رهزا خفيفا بينما شفاهنا متطابقة فوق بعضها نتنسم عبير الحب مع انفاسنا ، أستنشق انفاسها و تستنشق انفاسى ، و أمتص رحيقها من فمها ، من لسانها الذى يداعب لسانى ، ليتنى كنت املك رفاهية الوقت لأمارس معها وضعيات الجنس كاملة ما كنت تركت وضعية إلا و اديتها ، لكنه الوقت الذى يداهمنا ، و ليتنى كنت فى حالة تسمح لى ان احتفل و اهلل بأول لقاء جنسى لى فى حياتى و متعته الحقيقية تكمن فى انه مع حبيبتى و عشقى الأول و الأخير ، كانت تداعبنى نظرات عينيها لعينى و تحفزنى كلما رأتنى أشرد بذهنى ما بين حركة خصرها تحت جسدى دفعا للاعلى و ما بين قبضها على جنبىّ و الدفع بهما إلى الامام و الخلف حتى استقرت يداها فوق ظهرى و اشتدت ضمتها لى بساقيها و ذراعيها و ضغطت بشكل متلاحق حتى تدفقت ينابيع الحياة داخل رحمها و هى تردد : نعم ، زدنى ، ارونى مما لديك من سقاء ، أنت وحدك الأحق بهذا المقام ، جسدى حقك انت و قد اغتصبه غيرك ، لكنه عائد إليك يا حبيب الروح و القلب و الجسد ، لا تبتئس ببعدى عنك يا حبيبى فقلبى معك و لن يمر الكثير على هذا الحال ، حتى و إن لم اكن لك إلا على هذا الوضع سيكفينى و حتى لو كنت لغيرك و عز لقاؤنا فسيكفينى أن يبقى حبك فى القلب للأبد .. نمت إلى جوارها و انا لازلت أحتضنها بنفس الشوق الذى شهدته فى اول اللقاء ، فما انطفأ الشوق بانقضاء الشهوة و لا قلت متعة القرب عن أول لحظة كان فيها العناق ، و ما كان بيننا حينها إلا مداعبات من يدى لأنحاء جسدها ، و تذكرت حينها اول مرة طرحت جسدى فوق جسدها و نحن مستتران بملابسنا فنظرت لها مبتسما أذكرها بذلك اليوم حينما حاولت خلع ثيابها فأبت و قالت لم يأت وقته بعد ، أما آن الأوان ، فاعتدلت فى نفس الوضعية و نامت على بطنها فظهر امام عينى جسدها برسمته البهية ، و وضعت يديها تحت خدها الأيمن ثم تركتنى فى وصالى مع جسدها الحريرى أمتع نظرى قبل أن امتطيها لاجعل من لسانى فرشاة تدليك لأنحائه ، و ما وجدت فيه منطقة أقل متعة من الأخرى و لا عرفت انطفاء متعة التدليك هذه لجسدها البضّ الرجراج و انا اداعب أردافها و اقبل كل أنحائها بل و انام عليها كما لو كنت أريد تجربة النوم فى ظل هذا الجو المسكن الذى أذهب آلامى و يجتاحنى الشوق فأفتح ضفتى ردفيها و أمدد قضيبى بينهما لأجعله يروح و يغتدى فى هدوء و سكينة بنفس وقع الشعور الأول ، بينما حديثى لأذنيها لم يكن ليتوقف و انا أهمس فيها بعبارات الشوق و الهيام ، آه من سحر لمستها حينما تضع يدها على خدى و انا أهمس لها بما يدور فى قلبى ! آه من زفراتها و انينها مع رجع الشوق المتنامى لضمة يدىّ لصدرها حينما تهمس مطالبة إياى بالحضن فألف يدى تحت خصرها مرة و تحت صدرها مرة لأداعب نهديها و أختبر طراوتهما ، و ما هى إلا لحظات حتى سالت دفقات أخرى بين الردفين ، و ما استغرق كل هذا اللقاء من بدايته إلى نهايته إلا أقل من الساعة التى طلبت فيها الإذن ، ثم ألبستها ملابسها بيدى و انا أقبل كل ما لمسته يدى قطعة بقطعة ، مسحت وجهها بمنديل ثم ودعتنى و هى تبتسم لتقول انها ستذهب حقا إلى إحدى صديقاتها من الجارات لتضبط ما أفسدناه من زينة كانت تضعها قبل بكائها امام الباب و قبل اقتطافى لكل ما طاله لسانى و شفتاى ..
و انتهى هذا اللقاء على غير موعد بلقاء آخر لكن قلوبنا كانت دائما على وصال ، كانت كلما أتت إلى منطقتنا تأتى لتلقى السلام على أبى و أمى و من قبلهما علىّ و لا أذكر ان لقاء الفراش قد تكرر إلا مرة واحدة عندما كنت فى أجازة من التجنيد بعد التخرج و يومها كان اللقاء سريعا فى غرفتى لكن هذا لم يكن إلا تطورا لموقف الشوق ليس إلا ، فما كان احتياجنا إلا للقرب وحده حتى لو اكتفينا بحديث العين للعين ، لم تنجب نسمة على مدار عامين من الزواج و كانها كانت متعمدة تتخذ الاحتياطات اللازمة لذلك ، و بعد انتهاء خدمتى العسكرية حاولت لقاءها على انفراد لكن ذلك ما كان ليحدث مطلقا ، ربما أصرت الدنيا على معاندتى ، فها هى هناء قد تزوجت و لا تعلم شيئا عن استمرار علاقتنا ، و ها هى نسمة قد تأتى إلى منطقتنا لزيارة اهلها ثم تمر لالقاء التحية علينا فيلتقيها أبى و أمى بينما يكون اللقاء لدقائق قليلة ثم تنصرف و أذهب لأفتح لها الباب فتنظر فى وجهى و هى تبتسم ثم تقول يكفينى رؤيتك يا أملى فما أمتع رؤيتك و ما انعشها للقلب و الروح ، إلا انها شعرت بشوقى للقائها المحموم مرة أخرى فرتبت غير عابئة للقاء فى شقتها فأذهب إليها مسرعا لأقضى معها امتع اللحظات و لنبسط للمتعة حلقة تمتد فى ساعاتها لما فوق ثلاث ساعات نمارس فيها الحب ما بين وقوف و قعود و نوم و حتى وضع الفارسة اتخذته و ما كان أشهى نهديها حينما تدليا فوق صدرى لأقبض عليهما بيدى و أداعبهما ثم امد يدى لأحتضن ردفيها و أدفعهما فوق جسدى دفعا ، و استبدت بنا الجرأة حتى صارت كل لقاءاتنا هناك على فراش الزوجية ما عاد يمنعنا عن اللقاء مانع و لا عاد شئ يقف فى طريق الشوق الذى لا نهاية له بيننا ، و نسيت أننى أفعل معها ما يجعلنى أخجل من مواجهة النفس بما تحمله من أصول و قيم خفتت أصواتها بل تلاشت أمام نداء المشاعر ..
و فى يوم غابت شمسه فاجاتنى ببكائها و الذى بلغ النحيب بأنها لن تقدر على التعايش مع العشق و الزواج فى حالة تشبه الانفصام ، و هنا رأيت أنها تريد لى التنحى لتستقر و تهدأ و تطمئن ، و قبل ان اعاهدها على الخروج من حياتها كان ردها بأنها تريد التخلص من حياتها مع طارق فهى لم تعد تريد ان تلوث حبنا باستمراره هكذا على غير ما يرتضيه الضمير ، اقسمت انها كانت دائما تبكى بعد كل لقاء بيننا ، حاولت التخفيف عنها فلم أستطع و قالت بأن الليلة هى آخر يوم لها فى ذلك البيت ، حاولت إثناءها عن عزمها فما استطعت و حاولت جاهدا أن امنحها فرصة تطلب منى أنا الانسحاب من حياتها تماما فرفضت و هى تبكى و تضمنى إلى صدرها و هى تقول بل أنت من أسعى للبقاء معه مدى الحياة ، فكيف تريد لنفسك الانسحاب لتتركنى بلا روح ، إن حبك هو الحياة و لو تركتنى فلا حياة لى فى هذا العالم ، اهدأ انت و اتركنى أتصرف كما أرى و ستكون الامور على خير ما نتمنى فلا تخف و لا تقلق ، لقد حان وقت انصرافك يا حبيبى فقم و لا تشغل بالك بى كثيرا و اهتم بعملك حتى تصبح فى اعلى مكانة يا مهجة القلب ، ثم قبلت يديها فقبلت رأسى و ودعتنى و هى تبكى حتى أبكتنى و كأنها كانت تدرك أن هذا هو اللقاء الأخير ! و فى اليوم التالى عدت من العمل الذى التحقت به مؤخرا و فتحت الباب لأسمع صوت بكاء أمى فذهبت إليها و انا بالكاد أفسر ما ترويه دون أن انتبه أن حزنها هذا على أعز ما منحتنى الدنيا ثم ها هى تقتلنى بحرمانى منه للأبد ، و ما ان نطقت أمى امامى كلمتين حتى رأيت السواد يعم المكان و أرانى ملقى على الأرض فاقدا للوعى ، و لا أدرى كم مر من الوقت و انا ممدد فى الأرض حتى فتحت عينى و الناس من حولى يحاولون حملى إلى فراشى ، و ما ان اتذكر آخر ما قالته أمى حتى أجهش بالبكاء ، ماتت نسمة ، كيف و متى و أين حدث ؟ و لماذا تموت ؟ و لماذا أبقى انا على قيد الحياة ؟ لو كان بيننا من يستحق الموت فهو انا ، و لم تمض ساعات قليلة حتى كان أول ما استوضحته من امى و انا اعاهدها ان اتماسك و أستمع حتى تنتهى دونما بكاء ، فتخبرنى بأن ما قاله الأب فى التحقيقات أن ابنته كانت على خلاف مع زوجها فطلبت منه الطلاق و أصرت عليه و استماتت فى طلبه و هددته بقتل نفسها لو لم يفعل ، فاستدعى والدها و الذى دخل معها غرفتها ليستمع إلى شكواها فلم ير امام عينيه مشكلة حقيقية تستدعى طلبها هذا غير انها تحتاج للتأديب منه و حاول ان يجبرها على نسيان الأمر فليس الطلاق واردا فى عائلتهم كما يدعى دائما بأن بناتهم لا تخرجن من بيوت ازواجهن إلا إلى القبر ، و حينما أصرت اوسعها ضربا و هى تصرخ مرددة على مسامعه : لن أستمر معه فافعل ما شئت ، ظلمتنى حينما زوجتنى به على غير إرادتى و الآن تظلمنى حينما أريد ان أصحح وضعا خاطئا ، انت لا تعرف اى معنى للأبوة ، كانت قسوتك دائما هى المدار فى تقبلنا لقراراتك ، جعلتنا نقبع فى الخوف منك دون احترامك ، ليتنى ما كنت ابنتك و لا كنت أبى ، و مع كل كلمة قالتها نسمة كانت تثور ثائرة الأب الذى تجرد حينها من كل آدميته و أبوته فكان يلكمها فى وجهها و يمسك بشعرها و يضرب رأسها فى الحائط إلى أن طرحها أرضا و ظل يركلها بقدميه فى كل أنحاء جسدها حتى وضع حذاءه على عنقها و هو يسمعها أقسى عبارات السب و هو يضغط بحذائه و كأنه ينتقم من عدو ، بينما يدخل زوجها الغرفة على صراخها فيمنعه ليترك الأب ذلك البيت و هو يهددها بألا تعود إلى مثل ذلك الطلب من جديد ، و قبل مغادرة الأب لذلك الشارع يجد الناس ما بين من يصرخ و ما بين من يجرى نحو البناية التى تسكن فيها ابنته ليراها ملقاة على الأرض و قد سقطت من شرفة شقتها !! و كان ما قاله زوجها فى التحقيقات أنها طالبته من جديد بتنفيذ الطلاق و إلا ستلقى بنفسها من الشرفة ، فلما تباطأ فى التنفيذ او حاول المراوغة فعلتها ، صادقا كان أم كاذبا لا يعنينى ، تمت تبرئته و تزوج بغيرك من بعدك لا يعنينى ، كل ما يعنينى أن الظلام قد كسا الكون ، و أن الليل لم يعد له نهار ، و أن الدمع بات رفيق الدروب كلها ..
ماذا يقول الدمع لهذه العيون التى قد أرهقها و أجهدها ؟ و هل يفيد اعتذاره ! قال لها حينما لم تتقبل عذره بأنها سجنته بداخلها سنوات طالت .. فلما انفتحت له الأبواب انطلق غير عابئ الا بحريته .. سال و فاض حتى استشعر جهد العيون فى تكبيله ، فتوقف معتذرا لعلها تسامحه .. فقالت تركت باباً لتخرج منه ببعض ما بك من قيود فهدمت حصون الكبرياء و اندفعت لا تبالى بما صرت عليه من انكسار .. ويحك أيها الدمع ، حين تشعر بحريتك لا تتورع عن إيذاء من حررك .. فى كل يوم آتى إلى هنا ، إلى المكان الذى يضم بين جنباته منية النفس و عمر العمر و روح الروح ، نسمة ، آه يا حبيبتى لو كان الدمع يعيدك لكنت على يقين بأنك ستعودين ، و كيف لا و الدمع لا ينقطع من عينى طوال سبعة عشر عاما مرت على رحيلك ، و سأظل العمر أبكى دون ملل حتى يقضى أجلى فأراك من جديد ، صار هنا ملجئى و منتهى أملى ، هنا أجلس معك و كأننا لا زلنا فى حديث لا ينقطع ، لو انك ترين الحيرة فى عيون رواد هذا المكان الذين يروننى كلما حضروا أقيم هنا امامك لعلمتى كيف تسيل دموعهم حينما ينظرون لحالى و قد صرت شبحا لمن كنت تعرفينه ، ما أقمت هنا إلا لطمانينة قلبى بأنه لن يفرقنا أحد بعد اليوم ، و عما قريب سآتى إليك لأكون إلى جوارك و ما أسعده من جوار ! ليت القلب الذى أحبك يصنع معى المعروف فيتوقف عن النبض حتى يسارع باللقاء ، و برغم غربتى فى هذا المكان أمام المارين به غير أننى أستشعر انه وطنى لأنه يضم من كان قلبها لى الوطن ، و سيظل قلبى لا يعرف وطنا إلا حيث تقيمين ، و لن أبرح رحابك حتى أكون إلى جوارك هكذا كان العهد الذى قطعته على نفسى و هكذا سأظل أحلم بلقائك فلا الدنيا فى نظرى عزيزة ، و لا البقاء فيها يعنى الحياة .. فلقاؤك يا حبى الوحيد هو الذى يعنى الحياة .
طيلة عمرى لا أقبل بنظرات العطف فى العيون الناظرة لعينى ، و ما ارتضيت الإقامة فى مكان أشعر فيه بالغربة إلا لأنى استشعرت وجودها فيه ، فتحول إحساسى به ، و ظننت أن فيه الوطن .. و بحثت فى كل الوجوه المحيطة عن وجه تألفه النفس فما وجدت ، حتى وجهها حكم القدر حكما صارما بغربتى عنه ، ملأنى الرعب من كل وجه أو عين نظرت فى عينى .. و أصبحت تائها حائرا لا يعلم إلى أين يذهب ، ينظر فى كل ناصية و كل اتجاه لعله يجد علامة ترشده ، و لكنه لا يجد إلا الظلام الحالك يحيط به ، فأعود أجلس فى منتصف الطريق ، نعم فى منتصف الطريق ، حتى لو مر عابر سبيل يأخذ بيدى إلى حيث البداية ، و قد تكون نهايتى وقت الفرار ، لكننى مع الضيق المتنامى تمنيت أن أخرج من ذلك العذاب حتى و إن ازدادت غربتى و اختنق صدرى من جديد ، حتى و إن كان القادم يحوى ما سوف يقودنى إلى ما هو أظلم من هذا ، و لكنها هى النتيجة .. نتيجة العشق الذى لا يجعل صاحبه يفكر و لو قليلا فى الزمان و لا المكان ، كل ما يفكر فيه هو الحب نفسه حتى لو قاده إلى مهلك .. ما ظننت أن تتبنى الليالى تلك العذابات و الجراح المتوالية ، لتطيح بعشقى و تطيح بتوازنى معا ، لا الأرض كما تعودتها ، و لا الليل كما عاهدنى ، و لا النهار له شموس ، و لا القمر يوحى إلى قلبى بشئ .. تجمدت كل الأفكار ، و تبلدت كل المشاعر فى ليل بعد ليل و ظلام بعد ظلام ، و صار طعم الحلو لا يجذبنى ، و لا طعم المر يؤلمنى ، واقف فى مكانى و كل شئ من حولى و بداخلى قد توقف .. فهل من عودة ! أين من تحدثوا عن الحب و عذوبته و أفراحه ! ما رأيت منه إلا الأطراح .. فليأتوا ليعيشوا فى مثل موقفى هذا و ليخبرونى ..
قالوا عن الحب ، و استطالت أقلامهم بكل ما استطاعوا كتابته ، لكن مع كل ذلك ، لا زلت أرى العجز يصيب الأقلام عن وصفه و التعبير عنه ، فبعد البحث فى كل كتاب عن الحب ، و كل دواوين الشعر ، لم أصادف ما يعبر عنى ، و لا عن ما شعرت به و لا زلت أشعر .. تلك النبضات المتتابعة ، المتغيرة ، المتغايرة ، المتلونة ، ماذا عنها ؟ تارة أرى القلب يرضى عن الواقع و يصدقه عنوة فلا حيلة فى تغييره ، و تارة يسخط حزينا مهموما يلعن الواقع و الظروف و المعطيات التى تجعلنى لا أقوى على ترك مكانى هذا ، و تارة يستقر فى بؤرة رمادية محايدة ، دون سابق إنذار و قد أرهقه العناء .. و تلك الأعين الساهرة ، الناعسة ، المتألمة ، تارة أراها تبحث فى شغف ، و تارة أراها تهدأ و تستكين مستسلمة للنوم لعلها تجد فى عالم الاحلام تعويضا عما أسفر عنه الواقع و أفضى بى إلى عذاب بعد عذاب ، لكنها لحظات سرعان ما تتبدد باليقظة على الألم من جديد .. و تلك الأنامل المنطلقة ، النشيطة الكسولة ، تارة أراها تتدفق بالحروف لتعبر عن ما فى القلب ، و تارة تسكن دون حراك .. ذلك الشوق المتنامى ، المنبعث من بؤرة الحرمان من اللقاء ، الصابر على البعد ، الحاقد على كل الظروف ، تارة تعلو موجاته ، و تارة تخفت بلا أنين .. و ذلك الليل الصديق ، العدو اللدود ، القريب البعيد ، تارة يصاحبنى فيملأ قلبى بهجة و ضياء مع ذكرى ابتسامة من عينيها أو همسة واعدتنى بها الدنيا من شفتيها ، و تارة يهجرنى و لا يترك لى إلا ظلامهحينما أذكر أن النهاية تناقض البداية أيما تناقض ، كل شئ و نقيضه ، يجتمع داخل هذا القلب .. قلبى ، فهل وجدتم تفسيرا له فى أعرافكم ، أم أنه دلالة واضحة على الجنون و الهروب بلا قرار لعالم معتم قاعه سحيق و ظلماته لا تتيح للعين رؤية حتى بعد الخروج منها ، يقبع فيه كل أولئك الأشقياء الذين عاندتهم الدنيا فمنعتهم الحياة و لم تعترف بما وجدوه فى قلوبهم .. أين تلك الليالى التى تغنى بها الشعراء عن لقاء الحبيب و ما يبعثه فى النفس من إشراقة تزيل كل حجاب بين القلب و بين سعادته .. و أين أغانى العشق و قصائده حتى أتغنى بها كما تغنى بها من سبقونى ، أين أنا بين كل ذلك ؟ على قارعة الطريق حزمت امتعتى و قررت الارتحال .. فإلى أين سأرتحل ؟ و إذا قررت العودة ، فإلى أى مقام سأتوجه ؟ فليخبرنى من اطلع على مثل حالى - إن كان موجودا - حتى أستلهم النصيحة من كلماته ، فيرشدنى و يوجهنى و يأخذ بيدى من هذه الدائرة .. أين اليد التى ستمتد نحوى كيد من خلال الموج مُدّت لغريق ؟ أين البريق الذى يظمأ السارى له حتى أركض بكل عزم نحو ذياك البريق ..كانت عيناك يا حبيبة القلب هى المأوى لى من كل جرح ألمّ بالقلب أو اعترى الروح ، و الآن بعد حكم الدنيا ، أنى لقلبى أن يقر فى مكان ، أو لروحى أن تستقر مستوعبة أحداث الزمان !
نسمة ، و آه يا نسمة فى حبك أنا الجانى و المجنى عليه معا ، نسمة ، ذلك الاسم الذى طبع على صاحبته كل معانيه ، لا أدرى هل أحببتها بعد ميلادى أم أننى خُلِقت به فكل ما أعرفه أننى منذ الصبا و حتى اليوم و أنا أذوب فيها عشقا ، متيم أنا بسحرها الأخاذ الذى يوما بعد يوم كان يتعالى فى النفس صداه و يسافر بى عبر حدود قد لا يكون لى الحق فى اختراقها لكننى لم أكن لأقوى على المقاومة .. أحببتها حتى قبل أن أعرف أن ما أشعر به تجاهها هو الحب ، جمعتنا صفوف الدراسة فى كافة مراحلها إلا المرحلة الجامعية ، كنا أبناء منطقة واحدة ، فى محافظة الأسكندرية ، تشابهنا فى الكثير من الظروف الاجتماعية و المادية كذلك ، بينما كانت هى الكبرى بين أختيها ، أما أنا - يوسف - فكنت الأصغر يكبرنى أخ و أخت ، و قد تزوجا و انتقل كل منهما إلى بيته المستقل بينما بقيت وحدى مع أبى و أمى و قد جاوزا الستين بقليل ، أقعدهما المرض و الكبَر فتراجعت حركاتهما داخل البيت ينتظران النهاية ، كان أبى دوما يردد بأن رسالته فى الحياة قد اقتربت من نهايتها و ما تبقى إلا أن يسلمنى - كما كان يردد - لزوجتى المستقبلية ، و التى كنت أراها فى خيالى دائما نسمة ، ما تخيلت نفسى مع غيرها يوما ..
لم نفترق أنا و هى يوما حينما كانت تضمنا صفوف الدراسة حتى الثانوية ، كنا دائما نلتقى و الشوق يصحبنا و الحب يملأ قلبينا ، لكن دون تصريح ، أحببتها بينى و بين نفسى ، و كتمت هى الحب عنى حتى حان وقت التصريح فى يوم منت علينا به الدنيا و جادت يدها على غير انتظار لتبدأ مراسم القرب فى ذلك الحب الذى كبر و شب و استوى عوده مع كل يوم مر بنا فى العمر ، كان الكل حولنا لا يعرف قصتنا و كنا دائما نحافظ على الخصوصية و سرية علاقتنا حتى لا تصيبنا سهام النقد أو التجريح فى مجتمع يعتبر الحب إثما بل و يحاربه أحيانا تحت مظلة التقاليد و كأن الحب خروج عن النص أو تطاول على الفضيلة ، كان الحب داعيا لنا دائما على التفوق و الظهور فى أبهى صورة ، حتى فى لقاءاتنا التى كانت تتم فى سرية تامة عند إحدى الصديقات - هناء - التى تبنت قصتنا و جعلت من بيتها مأوى للقاء العشيقين ، كان التصريح بالمشاعر فى بيت هناء حينما كنا فى المرحلة الثانوية ، يوم أن لاحظت فى عيونى و عيونها ما نشعر به فسألتها و سألتنى و لما رأت ما يغشانا من شعور يملأ قلبى و قلبها قررت أن تكون البداية عندها لحبها البالغ لى و لها ، فرتبت لذلك اللقاء و ساعدتنا الظروف بها كثيرا فهى وحيدة لوالديها وقد اوهمتهم أن لقاءنا للاستذكار فى غرفة الصالون ، و كانت دائما هى و زوارها محل ثقة من والديها أو فلتقل أن الأب و الأم كانا دائما منشغلين بما لديهما من أعمال و تجارة فكان اللقاء دوما يحمل طابع الخصوصية الشديدة ، بينما كانت هناء لا تجلس معنا أصلا فقد كانت تدخل تلك الشرفة التى ليس لها ممر إلا نفس الغرفة التى نجلس فيها ثم تتركنا لنتجاذب أطراف الحديث ، و فى ذلك اليوم الذى لن أنساه بدات نسمة بالحديث بالتعجب من كوننا جيرانا و زملاء دراسة و مع ذلك لم نجلس معا فى أى وقت مضى ، و بعد الحديث عن قيود مجتمعنا كان الحديث عن المشاعر المقيدة كذلك و كيف يمكن أن تخرج بينما يخشى عليها العاشق عوامل الصدود أو النفور، و هنا كانت نسمة هى المحرر لتلك المشاعر من كل قيد حينما أرادت لى التصريح بما أشعر لأرى هل حقا خوفى على عاطفتى من الصد فى محله أم لا ، و كان النطق حينها بكلمة الحب ، و ما كنت أدرى أن السعادة فى الحب تكون وقت التعبير عنه لمن نحب ، حينها ابتسمت نسمة ابتسامة تملؤها آلاف المشاعر ما بين سكون و حياء ، ما بين أمل و رجاء ، و ما بين حلم و حقيقة ، لمحت فى عينى انتظار كلماتها أو ردها بالأحرى ، و ترددت قليلا ثم قالتها بإحساس نادر يخترق القلب مقتحما كل حصن ، و ما أشهى تلك العبارة حينما يسمعها العاشق من معشوقته ، هو إحساس لا يبقيك على سطح الأرض ، فإن كنت تريد الطيران و التحليق فى مدارات الأفق على امتداد البصر فانصت بقلبك لصوت حبيبك حينما يتلو عليك عبارات الشوق لك ، طافت كلماتها بقلبى و بروحى فى عوالم أخرى لا تتسع إلا لعاشق ، و فى منتصف الحديث سكتت الألسنة و تحدثت القلوب وحدها و كانت العين للعين لغة أخرى تروى آلاف العبارات فى لمحة فقط ، ما كنت أعرف قبلها ان لغة العيون الأم هى لغة الحب ، و لا كنت أعرف قبلها أن القلوب حينما تنطق تتنحى الألسنة فلا تجد دورا لها فى تلك اللغات ..
و توالت اللقاءات فى بيت صديقتنا مرة او مرتين فى الأسبوع ، صرنا أقرب و أقرب يوما بعد يوم ، ما عاد بيننا أسرار نخفيها ، كانت تروى لى كل شئ عنها و كانت تعرف عن حياتى كل تفصيلة ، و ما كان بيننا فى تلك الأيام إلا لمسة اليد لمسة خاطفة لا تتعدى الثوانى ، حتى اختارت لنا تلك الصديقة يوما كان البيت فيه خاويا من والديها ، يومها ذهبنا معها بعد انتهاء درس خاص إلى البيت بدعوة منها و نحن لا ندرى أن والديها قد غادرا منذ الظهيرة لموعد الطبيب الذى يعالج والدتها ، و هنا أدخلتنا - هناء - إلى الصالون ثم خرجت و لم تدخل الشرفة كما عودتنا و هى تقول أنها ستجلس فى غرفتها حتى يقترب موعد وصول أهلها من الخارج ، و لست أدرى لماذا تهللت و انفرجت أساريرى أكثر ما كانت منفرجة ، و جلست إلى جوار نسمة و أنا أبتسم ابتسامة الفرحة لشعورى بالأمان هذه المرة بشكل أكبر ، و أخذنا الحديث الهائم عن ما نجد فى قلوبنا و انطلق اللسان بما يعجز عنه البيان و ما اكتفى لسانى بل عبر كل جسدى و أنا ابن الثامنة عشرة حينها قوى البنيان ، رياضى الهيئة ، طويل القامة ، بينما هى كانت قد اكتملت معالم الأنوثة بداخلها و خارجها ، و طالت لمسة اليد حتى تحولت إلى اشتباك الأصابع و كأنها فى معركة احتضان ، ثم رفعت يدها إلى فمى و قبلتها فى كل أنحائها و كأننى كنت أراها واحة بما حملته رسماتها من وديان خصبة عكست ملامحها على أصابعها و راحة كفها ، نظرت فى عينيها و أطلت النظر حتى اقتربت و اقتربت و هى تتابعنى فى ترقب و اشتياق رفع حرارة أنفاسها و زاد من سرعتها حتى قبلتها فى خدها ثم تراجعت لأجدها مغمضة العينين و كأنها تمنحنى الإذن بالمتابعة ، و تتابعت قبلاتى دونما توقف فى أنحاء وجهها حتى شعرت بشفاهها تناجينى و تطلب القرب من شفتى لكن شجاعتى خانتنى ، خشيت عليها و خشيت على نفسى من لحظة نترك فيها الأرض و نرحل حيث اللاعودة ، و كيف لمن استبد به الظمأ أن لا ينزل بجسده فى نهر ماء عذب صفا أمام عينيه و بلغت عذوبته أقصاها ، ضممتها لصدرى فضمتنى ضمة الأم لوليدها بحنان جعلنى أشعر فيه باستجابة من شعر رأسى حتى قدمى ، زادت الضمة و تمنيت لو أننى أعتصرها حتى تذوب بداخل جسدى فلا تفارقنى بعدها ، نامت فوق صدرى و هى تردد همهمات لم تسمعها أذنى و لكن استقبلها قلبى و تولى عملية تحويلها لحروف و كلمات جعلتنى أمرر يدى فوق رأسها لكن حجبنى غطاء رأسها عن بلوغ أصابعى لشعرها و كان أول ما طلبته منها حينها هو أن أرى شعرها دونما حاجب ، و آه من تلك اللحظة حينما ابتسمت مستجيبة و هى تخلع عنها غطاءها و تفرد شعرها بيديها لينسدل على كتفيها بتحرر و كأنه كان يريد ذلك ، و هنا اكتملت اللوحة الفنية لذلك الجمال و رأيته بوضوح و بعين لم تشاهده من قبل ، عيناها العسليتان كبحرين عميقين بين شاطئين فى غاية الرحابة و الاتساع ، لا يخوضهما إلا بحار ماهر متمرس طاف بسفنه آلاف الرحلات حتى نال من خبرة الأمواج ما ينقذه من الغرق ، أجفانها و أهدابها تحكى عن السحر الحلال حكاية من أسره السهد بينهما ، جبينها الذى جعلنى أرى فيه الأفق وقت شروق الشمس ، أنفها الأقنى الذى ما شهدت مثله لا من قبل و لا من بعد ، أما بعد .. خدها الذى تلون بلون النبيذ و حمل صفاته فى جعلى أترنح كمن شرب الخمر حتى الثمالة ، شفاهها نهران تعانقا و تكاملا فى العذوبة و الرقة و الألوان الزاهية البهية ، و عنقها الذى فى خفة التفاتته كعنق الظبى المترقب يتحرك كما يحلو له ببطء و برشاقة ، بدقة و بعشوائية ، و هل مثلى من يقوى على تحمل هذا الجمال ! و آه من شعرها المسدول فوق كتفيها بنعومة و نضارة تجعلها كفيلة بنيل جائزة فى جمال الشعر و نعومته و سواده الحالك الذى ينير مع ظلمته وجهها الأبيض ، يا لجرأته حينما ينزل بجسارة على ظهرها فيغطيه ليوارى ما ترتديه فلا أراه إلا إذا انحسر عن ثوبها أو ناجاها أن يمر على صدرها فارتحلت هى به لتعكس اتجاهاته ، قصيرة هى بعض الشئ لكنها ملفوفة القوام ، جسدها قد استدار و استنار بما حواه من معالم الأنوثة ما بين نهدين منتصبين ملء اليد ، و ما بين خصر نحيل يزيد و ينمو كلما اتجه إلى الأسفل حتى يشكل أكثر المناطق إغراءً و جمالا و أنوثة ، أردافها رائعة التكوير متسقة البروز من اتجاه الخلف و من الجانبين كذلك ، سيقانها ليست إلا تكلمة للنقش الفنى المحكم من أعلى الكعب إلى الخصر تلتف و تستدير فى تناغم و بهاء ، بضُّ جسدها حينما تخطو فتراه كموج البحر انسيابية و هدوءا أو مدا و جزرا أحيانا ..
كان عبيرها و هى نائمة على صدرى متدفق إلى قلبى الذى استقبله بفرحة ليحفر وسمه على جدرانه فما فارقنى بعدها و لا استطاعت أن تستتر عنى فى مكان ، كنت أشعر بذلك العبير و يخفق له القلب بشكل متتابع حينما يستشعر وجودها ، قبلت رأسها و جبينها و أنا أقدم لها كل الوعود بأن يبقى ما فى القلب على حاله هذا حتى لو بلغنا نهاية العمر ، و عاد الشوق يناجينى للارتواء من كأس الخمر العتيق الممتلئ برحيق نسمة الفجر الربيعى ، ذلك النبع المتدفق فى شفتيها لم يترك فى عقلى و لو نقطة من بحره ، جفت ينابيع العقل و حلت محله صحراء قاحلة تناشدنى أن أحيلها مرة أخرى مروجا و أنهارا و أرضا خصبة تنبت الزرع و الثمر ، و لبيت النداء و استجبت للمناشدة و اقتربت حتى بلغت شفتيها بشفتى ، و آه من تلك اللحظة التى لا زلت حتى اليوم أستشعر نبضاتها فى القلب و طعمها الذى جعل الدماء فى عروقى تتدفق تدفق السيل منحدرا من جبال شاهقة الارتفاع ، و يا لروعة الاحساس بارتواء القلب مع الأوردة من عذوبة شفتيها ، لا تحتاج القبلة لخبير حتى يستشعر حلاوتها و ما انطوت عليه من جمال و خيال ، فقط اغمض عينيك و اقترب بشفاهك من شفاه الحبيبة و اترك نفسك تتنعم حتى تشبع ، و من أين يأتى الشبع ! و هل للقبلة نهاية ! لو قضيت العمر أنهل من تلك الشفاه ما تراجعت حتى يمر الصيف فلا تشقينى حرارته و حتى يجئ الشتاء فلا يطاردنى ببرودته ، و ما الدنيا بين أحضانها إلا نسمة ، نسمة ربيع لم يخالف قواعد اسمه ، كنت أشعر مع كل ضمة لها بأن الكون يحتفل معى ، ازدادت تغريدات الطير رنينا و زاد حفيف ورق الشجر نعومة ، و لربما صفا الجو و انتفت منه الأتربة و الغبار و الدخان ، ما هذه الدنيا كما تعودتها قبل ذلك اليوم ، زادت القبلات اشتعالا ، و أضاءت الأحضان صدرى فشعرت بمراسم تبادل القلوب ما بين صدرى و صدرها ، و كأنهما قد التحما فصارا واحدا ، و ما كنت أعرف أن الحب و هو فى تلك اللحظات يحرر الدمع فيتساقط مطرا على الوجنات ، من بكى قبل الآخر ! أنا أم هى ، لست أدرى ، من مد يده قبل الآخر ليمسح دموع حبيبه ! لا أعلم ، كل ما أعلمه أن حروف اللغة بأكملها قد فرت و لم يبق منها إلا الحاء و الباء و بنفس هذا الترتيب المخالف لقواعد الأبجدية ، لكن شريعة الحب لها سطوة تقهر كل القوانين و لا تعترف إلا بقوانينها هى ..
لا أذكر كيف انتهى اللقاء يومها لكن ما أعرفه اننى تمنيت ألا ينتهى و لو كان بيدى لجعلت الأرض تتوقف عن الدوران فلا شمس تغيب و لا ليل يأتى ، و مرت الأيام لكننا لم ننعم مرة أخرى بلقاء كهذا حتى كان تخرجنا من الثانوية و التحقت أنا بكلية الهندسة بينما التحقت نسمة بكلية العلوم ، و حينما التحقت بالكلية فى أول أسبوع كان لنا لقاء جديد بدعوة من هناء التى التحقت بإحدى الجامعات الخاصة لتدرس العلوم الإدارية ، و كان ذلك اليوم هو يوم الميثاق بينى و بينها بأن نبقى مدى الحياة معا لا يفرقنا أى شئ مهما كانت قوته ، يومها وجدت حبيبتى تردد العهد و تمليه علىّ حتى أردده وراءها ، و هل نحتاج لعهد بالألسنة يا منية النفس ! لقد تعاهدت القلوب فما عاد هنالك قوة تنقض ما تعاهدت عليه ، فقدنا السلطان عليها و تحررت من كل القيود ، و ما تريد النفس أن تخلفه و لا الروح ترضى عن الحياة اذا انتقض ..
و كانت الجامعة فيما بعد هى مكان اللقاء اليومى بيننا ، كنت أحيا حياة فوق الحياة ، فى سعادة ما لها من وصف ، كنت أقول بينى و بين نفسى لو كان هنالك عاشق نال السعادة الكاملة فى عشقه من قرب و وصال و وئام و سلام و تصالح مع النفس و مع الحب لكنت أنا ، و من توافيه الدنيا بقرب الحبيب فلا يسأل بعدها أبدا عن سوء الحظ ، لكن جمال الحياة لا يدوم ، و لحظات السعادة لا بد أن تفسح لمشاعر أخرى المجال حتى تستمر دورة الكون و تقلب الأحوال ، كانت نسمة فى السنة النهائية عندما تقدم لخطبتها شاب فرحت به أسرتها كثيرا ، و قرروا أن يمنحوه ردهم بعد يومين ، و هنا كان لا بد من اللقاء لدى هناء و التى رتبت له كما كانت ترتب دوما فى السابق فانطلقت فى الموعد لأجد حبيبتى فى انتظارى لديها ، و من ثم تركتنا و دخلت إلى حيث تجلس لتفسح لنا المجال للنقاش ، و ما كان نقاشا يومها ، كان الحضن هو أول كلام بعده الدمع الذى كان يشبه الأمطار الصيفية التى تفاجئ الأبدان بسقوطها فوقها لتخفف من وطأة الحر ، غير أن هذا الدمع لم يخفف من وطأة الحزن ، بل جعل رؤية الغد بعين الأمس أمرا مستحيلا ، و برغم كونها تعلم أن فراقنا قد اقترب إلا أنها لم تحملنى أبدا فوق طاقتى أو تطلب منى أن أظهر فى الصورة أمام أهلها لخوفها على شعورى حينما ينفجر أبوها فى وجهى مقارنا بينى و بين - طارق - ذلك الشاب الجاهز كما يحلو للجميع أن يقولوا ، نعم قد أتم استعداده للزواج بعد التخرج مباشرة ، و حينما تتخرج هى يتبقى لى أنا عام فى الجامعة و عام آخر فى الجندية لو لم يكن أكثر ثم بعدها أبدأ فى شق طريقى نحو بناء المستقبل ، و لا علم لدىّ و لا لديها كم سيستغرق ذلك من وقت ينخر فى عظمى قبل لحمى حتى أكون أهلا للمثول أمام والدها أطلب يدها ، ربتت على كتفى بيديها و هى تقول ، لا تحزن و لا تئن بما تحمله فى قلبك ، أشعر بك يا أمل الحاضر و المستقبل ، لا تترك شعور السخط أو النقمة على ما وجدناه من دنيانا ، فلا ذنب لظروفك فيه و لا ذنب لى إلا أننا أحببنا فعاندتنا الدنيا ، لكن لو عاندتنى سأعاندها و بنفس الصلف و الجحود ، لن أترك دنياى تصيب قلبينا بالفراق و لو كان بينى و بينك ألف سد لهدمتهم ، لقد حاولت كثيرا ان أظهر لهم عدم رغبتى فى الارتباط به أو بغيره فعاندونى ، بكيت و استرحمتهم فما استمعوا لبكائى و لا رأوا دموعى ، بل ما رأوا غير إرادتهم و هى تسحق إرادتى و أحلامى تحت وطأة التسلط و السيطرة ، فليكن من أمرهم ما أرادوا و ليكن لنا ما نريد ، لن تنتهى قصتنا كما اعتادت أقلام الكتاب أن تنهيها حينما أرتدى ثياب العرس و أذهب مع زوجى لتجلس أنت وحدك سجين حزنك تتجرع مرارة الأيام لتلقانى فى طريق مصادفة تنظر عيناك إلى عينى و بهما من الحسرة و آلام الذكرى ما يكدر صفو عيشك ، لا عشت يوما فى دنياى إن تركتك لهذا الحال ، بل سيمضى كل شئ كما هو و لتكن الخطبة كما أرادوا و لتبق قلوبنا على عهدها ..
ليس بإمكانى أبدا وصف ما به شعرت حينها ، كنت أظنه سيكون لقاء وداع فإذا به تجديد للعهد و إعلان لدوامه و بقائه حتى لو سيأخذنا إلى غياهب المجهول ، و إن كانت هذه إرادة نسمة و هى الأنثى الرقيقة الضعيفة التى ربما لو استكانت ما كان عليها لوم فماذا عنى أنا ! بكل عزم و إصرار سأمضى قدما معك خطواتنا واحدة و طريقنا لن يتغير ، وكيف الفرار و فى عينيك حلم جميل ، و ليل طويل يراود الحلم أن يستمر ، لماذا الفرار و عيناك سحر عميق الأثر ، و قلبك بئر عميق القرار ، و ليلك جنة العاشق الحذر ، يدور بأبواب قصر الحياة ، و هل سيبلغ من دنياه الأمل و قد بلغته الدنيا نهايته ، فعاد يناجيكى لعلكى تشفقين عليه و تأذنى له بالدخول لقصر الحياة ، فإذا بك تفتحين له جميع الأبواب ليقيم معك فيه إقامة لا تعرف الانتهاء .. احتار قلبى فى وصفك فما استطاع أن يوفى بما تستحقين ، و بين المعانى طاف لعله يجد ما يعينه ، لهذا الحد يجدك فوق الخيال بخيال ، كنسمة صيف هادئة ، كهدوء الليل أو مثل سكون الصمت ، دافئة مثل طلعة شمس نهار فى شتاء بارد ، و كلماتك ، آه من كلماتك ، تتهادى تلك الكلمات إلى السمع بوقع موسيقى شجى اللحن و النغمات .، و ضحكاتك ، كموجة مدها البحر لتداعب من جلس فوق الرمال فتغرقه ليشعر بعدها بانتعاش يخترق الروح و الجسد معا .. و لمس أصابعك كقطرات المطر الحانية بكل ما تحمله من طهر و نقاء نزلت لتزيل غبار الطريق من فوق وجه المسافر بعد طول المشوار .. و نداؤك يبعث فى النفس سرورا لا يعادله سرور ، فما كان أحوج القلب إلى ما يسعده ، و ما أبهج النفس حين ترتاح بعد معاناة من وخز الألم و طعنات الأقدار ، و ما أمتع الحياة حين يحلو بها الامل و كلما اقترب و اقترب يزيد تعلق النفس به ، و برغم بعده و ما تحجبه المسافات و السدود ، إلا أن العين دوما تراه قريبا ، فلا عوائق تحجب متعة الخيال و لا حدود لواحة الاحلام و الآمال .. و ما الرحيل عنها إلا مثل فراق أم لوليدها ، فلا عناء أكثر منه ، و لا شقاء أصعب على النفس من ذاك الشقاء ..
و بقى ما بيننا كما هو بل أعمق حتى و هى على وشك الارتباط الدائم بغيرى بقيت على العهد ، كنا نلتقى دوما عند صديقتنا كما كنا و ازدادت لقاءاتنا استعارا فما كنا نقضى وقتنا إلا فى الأحضان و ترجمات العشق على الشفتين و الخدين ، كان الحب يحل لنا ما حرمته الدنيا على قلوبنا ، و هل فى شرع الحب ما هو ممنوع على العاشقين ! و فى يوم كان البيت خاليا كذلك من والد هناء و والدتها و عندما دخلنا أغلقت هناء باب البيت من الداخل و دلفت إلى حجرتها لتترك لنا الحرية ، يومها استحللت كل جسدها و طافت يدى فى جميع أرجائه ما بين النهدين الى الخصر إلى الردفين و حتى سيقانها ما تركتهما يداى ، و جلسنا على الأريكة و نحن فى تلك الحميمية حتى اتكأت و استندت بظهرها و فردت جسدها و أنا فوقها ألثم شفتيها الورديتين و أمر بشفاهى على عنقها ، و زاد الشوق حتى أننا لم ننتبه لأنفسنا حينما صرنا على الأرض ، وجدت نفسى نائما فى حضنها على حرف ، فهممت للنوم فوق جسدها فاستقبلتنى بذراعيها و عيناها فى عينى و شفاهها تتلاحم مع شفاهى و احتضنتنى بيديها و هى تمسح بهما على ظهرى جيئة و ذهابا ، تنوعت القبلات ما بين قبلة خاطفة و أخرى مستغرقة متعمقة ، شعرت بحركاتى الخفيفة فوق جسدها فعاونتنى بشد و جذب لخصرى فوقها و كأنها أرادت لى الاستمتاع بلا أى نوع من الحرمان ، مددت يدى لأمسك بنهديها فمازحتنى برفض مصطنع ثم نامت على بطنها فوق السجادة الحمراء تمددت فوقها و أنا لا أدرى هل أنا متيقظ أعى ما أفعله أم أننى فى حلم ليلة صيفية ، و روحت أتحرك فوقها بهدوء و أناة و انا أمسك بكتفيها تارة و ألف يدى تحت أثدائها تارة أخرى فأعتصرهما لأستمع إلى زفراتها و عبراتها و همهماتها المتلهفة ، و بينما أنا فى قبلاتى لخدها و عنقها أجدها تلتف برقبتها لتمد شفاهها طالبة القبلة و هى تناجينى بأنفاسها المحترقة ، قبلتها و أنا أكمل حراكى فوقها حتى هممت أن أرفع ثيابها حتى أمتع عينى بما استتر ، لكنها منعتنى و قالت لا تتعجل و اترك كل شئ لوقته ، آه من خوفى ألا يجئ ذلك الوقت ، أكملت حراكى حتى هدأت نفسى بما فاض به ذلك الشلباق الهتاك داخل ثيابى بينما هى استشعرت ذلك بحدسها فابتسمت قائلة هل اكتفيت ! و كيف أكتفى و أنا معك و جسدى فوق جسدك يستمتع به أيما استمتاع ! فى كل يوم معك أستعذب الحب و أكتشف أن فيه ما لم أكن اتخيله ، كم أحبك و كم أتمنى أن أبقى طيلة عمرى بين يديك ! آه من الدنيا لو توافينى على غير موعد فتجمعنى بك أبد الدهر !
كم حاولنا التغيير و التمرد على تلك الظروف التى ستحرمنا عما قريب من هذا اللقاء لكن باءت كل محاولاتنا بالفشل ، و تخرجت قبلى بعام لأن كليتها غير كليتى و اقترب موعد الزفاف فكنا نلتقى حينها كل يوم ، فى أى مكان متاح ، كانت دوما تردد أنها حتى و إن كانت لغيرى بجسدها فلن يكون قلبها إلا معى ، و ما ضر الجسد طالما بقى القلب و الروح معى و لى ، هكذا كانت تفكر و هكذا استجاب العقل منى لما أملته علىّ ، استرجتنى و ناشدتنى أن أسيطر على مشاعر غيرتى حينما كانت تلمحها فى نبرات صوتى ، و لكن كيف لى أن أسيطر عليها و هى تحرق قلبى و تسرى كالحميم فى دمائى ! لم نفكر وقتها فى تسمية لعلاقتنا بعد زواجها لكن كل ما فكرنا فيه كيف سيكون لها الحرية العظمى فى اللقاء بى وقتما شئنا ، و حان موعد الزفاف و ناشدتنى أن أكون إلى جوارها فى تلك الليلة لا أفارقها حتى تصل إلى بيت زوجها ، كانت تعرف كيف سيكون وقع تلك الليلة على قلبى و عقلى و عينى و كل جوارحى لكنها أرادت أن تواسينى بنفسها و أواسيها بنفسى فمن لها غيرى و من لى غيرها ! و ذهبت و أنا احاول دفن حزنى بين ضلوعى ، و أصارع ما تجرعته فى الحلق من مرارة ، و ها قد تزينت نسمة و تهيأت لاستقبال زوجها - طارق - ياله من محظوظ ، حلمت أنا و تمنيت و جاء هو ليحقق ما حلمت به و لكن لنفسه ، ترى كيف ستكون ليلتهما ، هل ستذكرنى و هى بين أحضانه ، هل سيحتضنها من الأساس ، هل سينازعها الشوق لتتمنى لو كنت أنا مكانه ! آه من مرارة تلك اللحظات التى فيها كنت أفكر ، لكن عينيها لم تترك لى الفرصة للتفكير فكانت نظراتها لى وحدى و كانت عينى لا تفارقها قيد طرفة ، و امتنعت أمامى عن كل لمسة من يده لها ، حتى عندما أراد أن يلبسها خاتم الزواج قامت هى بذلك و نظرت نحوى و كأنها تعلن لى أن ذلك حقى وحدى ! لو كان الأمر كذلك يا حبيبة الروح فهو وحده صاحب الحق الآن فكيف سترعين حقوقه و أنت لا زلتى تتمسكين بعهدك معى ! غريب أمر هذا الحب ، يجرد الملوك من عروشهم و يمنحها للعوام و لا يستجيب لصراخ هذا أو يشارك ذلك سعادته ، أليس صرفا من جنون أن تفكرى أو أفكر أنا بهذا الشكل و بعد قليل ستكونان فى غرفة واحدة بل فى مخدع واحد !
فليكن ما يكون ، ما عاد برضاى و لا بمنعى ، كانت هنالك سنة متبقية لى فى كلية الهندسة و قررت أن تكتمل ثم من بعدها ربما كان هنالك جديد ، لكن بقيت نار الشوق إلى نسمة تضنينى و الجراح تعتمل فى صدرى ، و مر يوم بعد يوم و أنا فى غياب عن الوعى و لا أذكر كيف مرت الدقائق و لا الساعات فى غيابها و كلما تخيلتها فى أحضانه تمزقت ضلوعى ألما و اشتعلت نيران الوجد كالمهل يسرى فى الدماء ، كنت أشعر فى تلك الأيام بالغربة التامة ، حتى أبى و أمى بهما من أمراض الشيخوخة ما بهما و ما عادا يقضيان وقتهما إلا فى النوم أو الجلوس معا فى الشرفة نظرا لتمركز الأمراض فى السيقان و العظام فكيف لى أن أفتح معهما مجالا لنقاش يزيد جراحهما أو يتقاسما معى مرارة الألم فى الإخفاق فى تحقيق حلم العمر ! و حينما مضى أول شهر على زواج نسمة و بينما كنت قادما من الخارج رأيتها تسير و إلى جوارها زوجها ، و لم أشهد فى حياتى مرارة كما شهدت فى تلك اللحظة ، و سرت أمامهما و أنا أتمنى ان انظر خلفى حتى أراها ، كم اشتقت إليها ، لكننى تماسكت حتى وصلت إلى بيتنا و لم تمض سوى ساعة واحدة حتى سمعت طرقات على باب شقتنا ، و عندما ذهبت لأفتح الباب وجدتها تقف و فى عينيها ألف نداء ، لم أكن وقتها مصدقا لما أراه ..عيناها قد ازدادت سحرا فوق السحر و صوتها زادت رقته و نعومته و هى تلقى علىّ التحية و تمد يدها لتسلم علىّ ، و ما اكتفيت بالسلام ، بل سحبت يدها نحو فمى و طبعت فوقها قبلة سالت معها دموع العين حتى اغرقت يدها ، مسحت بيدها على شعرى لأنظر إليها و ما كان حالها حينذلك أقل من حالى بل ربما كان أقسى و أشد ، لم يكن كلامها وقتها كثيرا لكنها طلبت ان تدخل لتلقى التحية على أبى و امى و قد كان وقت نومهما بالنهار فاعتذرت لها ثم هممت ان اوقظهما لكنها رفضت و قالت أنها جاءت فقط لتطمئن علىّ و تطمئننى ، و بينما ننظر فى اشتياق و وجد ساد الصمت قليلا ثم دخلت و أغلقت الباب و احتضنتنى كأنها عادت من سفر طويل و غربة و اشتاقت لحضنى و ضمتى ، كنت سأموت يا نسمة لو لم تفعليها فما كنت أجرؤ أنا على فعلها ، حسبتك نسيتى الوعد أو طمس الوعد الحقيقى معالمه ، و رحت ألثم شفاهها بقبلات محمومة مستعرة ذابت معها حنايا الفؤاد ، ثم سمعنا صوتا فى غرفة نوم أبى و امى فانطلقنا بلا تفكير نحو غرفتى و أغلقنا الباب خلفنا و بقيت انا و هى نتبادل الأحضان نتحدى الأشواق بالقبلات ، تارة منها و تارة منى ، كانت قد أبلغتهم فى البيت انها على موعد مع ثلة من صديقاتها و جاراتها فى الحى و ستبقى معهن ساعة لا أكثر ، كان زوجها ينتظرها هناك بينما هى أخبرته قبل ان تخرج أن لا داعى لذهابه معها حتى لا يسبب لهن الحرج ..
آه يا نسمة ! للمرة الأولى تدخلين حجرتى لكن الدنيا قد أقامت السدود بيننا بذلك الخاتم فى إصبعك ، لكن هل هو فعلا عائق و نحن نتعانق بكل حرية و أريحية ، و شفاهنا تختلط فلا تعرف حينها من منا يرتشف من رحيق الآخر ، كانت ضمتها فى ذلك اليوم مختلفة ، قبلاتها كانت مختلفة ، عطرها كان أزكى و جسدها كان بين يدى أشهى ، لم أكن اعلم أن الخروج من البكارة و الولوج لعالم النساء سيجعل من جاذبيتها قوة تسيطر لتغيب العقل و تذهبه فلا يبقى له وعى و لا سلطان ، و ازداد سعير القبلات و ما عادت الأرض تحملنا فاستدارت فى حضنى و منحتنى ظهرها و ما احتواه من اغراء يقبع عند ردفيها لتمسح بهما تلك المنطقة النارية التى سرعان ما استجاب لها الأملس فرتع و بحث عن المرعى ليتجول فى محيط أردافها بينما هو حبيس لا يمكن فك أسره بهذه السرعة ، مالت بعنقها على كتفى و سحبت يدى لتضعهما على نهديها و كانها تخبرنى أن لا شئ بيننا قد تغير فلأقترب أكثر و أتصرف كما يحلو لى ، ارتعشت يداى و هما تطوفان على صدرها و محيطه و جنباته ، كنت اشعر بصدرها قبل اليوم انه متوسط الحجم لكننى اليوم أشعر به بين يدى أكبر بكثير مما تصورته و حينما رأت منى الحرج فى اقتحام جسدها أرادت أن تشعرنى ان جسدها كذلك ملكى قبل الروح و القلب فأجلستنى على حافة السرير و جلست فوق ساقى اليمنى و هى تداعب شفتى السفلى بإصبعها كمداعبة الصغار ثم هبطت بشفتيها فوق شفاهى ترتشف هى مما تركته شفاهها من رحيق ، و اعتدلت فى جلستى و ضممتها مرة أخرى لصدرى و كف اللسان عن الحديث فناجاها القلب و هى تصغى إليه قائلا :
حبيبتى .. هل طلبتى يوما من القمر ضياءه فمنحك إياه دون تردد ؟ هل طلبتى الدفء من الشمس فما توانت فى منحك إياه ؟ هل طلبتى من الليل هدوءه و من النهار نشاطه و تفاعله و من المطر طهوره و نقاءه و من النسمة رقتها و نعومتها ؟ هل تعرفين ما اقصد ؟ لا أقصد إلا أن كل هؤلاء قد منحوكى صفاتهم ، لم اقصد انهم منحوكى شعورا بهم كما يمنحون للجميع ، بل إنهم آثروكى بتلك العطايا ، فظهرتى لعينى فى أبهى صورة ، و توغلتى فى قلبى حتى أصبحتى مع الدماء تتدفقين إلى الأوردة التى تمر على سائر الجسد ، و كيف لى ان أقاوم و فيكى وجدت كل ما احببت من القمر و الشمس و الليل و النهار و المطر و النسيم .. حبيبتى .. قد يمر العمر و لا أتمكن من قول كل كلماتى فى المواجهة ، لكنها حتما سوف تصلك قبل نهاية العمر و حينها سيكون لى عمرا جديدا لم اطلبه ، إنه عمر الحب ..
و ما برح قلبها يسمع مناجاتى حتى انفعل و استجاب فأجاب و أصغيت لصوته و هو يناجينى بحديثه العذب الشجى و هو يقول :
بين سكون الليل و هدوئه أرى صمت عينيك رغم صوت حروفك .. و أرى عينى تعشق ذلك الصمت المقيم طويلا فى ملامحك .. و يعشق سمعى تلك الحروف المنبعثة فى شجون من شفتيك .. و ما بين حدود و مسافات يصيبنى الحزن لعجزى عن ترجمة معانى الصمت ، و الفرح و السعادة لتلقى تلك الكلمات الحانية ؛ و ما الذى بمقدوره وصف السعادة فى قلبى حينما تخرج ابتسامتك و أرى نفسى سببا فيها .. و ما أضعفنى وقت غيابك حينما تجتاحنى أعاصير الحنين إليك .. حبيب القلب و منية الروح .. بلغ الشوق منى ما بلغ ، و تخطت نوازعه كل مدى ، و لكن مع الشروق يتجدد الامل ، و وقت الغروب يتجدد الإحساس .. و فى هدوء الليل يثور القلب و تنتفض اوردته ، و تفيض العبارات الواصفة لسحرك الذى قد تخلل فى الاعماق و اتخذ طريقه يداعب مهجتى ، ما عرفت مع حبك قسوة ، و لا رأيت من الدنيا غير الحنان منذ اشرقت شموسك على قلبى من عالم الغيب ، و لكن القلب إذا صبر و استمتع بما يشعر به ، فكيف للعين أن تصبر و قد عشقت ملامحك ، و كيف للسمع أن يصبر و قد شهد صوتك نغمات لحن تعزفه موسيقى الكون .. ما لنا من حيلة و ما علينا إلا الصبر حينما تنطق الجوانح ثائرة لتعلنها لك وقت الاشتياق .. و ما وقت الاشتياق لينتهى طالما كانت فى القلب حياة ، و ما حياة القلب الا فى الحب ، و ما الحب الا قليلا بين ما اشعر به ، و ما اشعر به لا يستطيع الواصفون وصفه كما أن كتب العاشقين لم تعهد حبيبا مثلك بين صفحاتها..
حديث تكفلت القلوب بنقله و أى لسان يمكننه قول هذا فى مثل ذلك الموقف الذى رحنا فيه خلف حدود الثبات ، ما لتلك القيود من وجود ، كل شئ مباح و الوقت و الأمان بهما من الإتاحة ما يكفى و يزيد ، و نيران الوجد متقدة تتاجج شعلتها ، و الثورة على الدنيا و حواجزها فى أوج تمردها ، تعالت نبضات القلب و تسارعت و زاد صوت الانفاس حدة و عمقا ، و انتفض جسدى و جسدها مع ضمة كان كل منا يعتصر فيها الآخر فتمددت على الفراش و هى معى ، نظرت لوجهها فرأيت ابتسامتها تملأ عينيها و شفتيها ، قبلتها و انا متلهف أكثر من ذى قبل ، تبادلنا المواقع مرة تعتلينى و مرة اعتليها و فى كل مرة نلتقى فى قبلة محمومة ، فقدنا العقل و لم يبق غير صوت المشاعر و الشوق ، مددت يدى من جديد على صدرها أروح و أغتدى بيدى فى حدائقه و مدت يدها تداعب شعر صدرى و تزيد فى لمساتها حتى شقت ثيابى و هى تهبط بقبلاتها على صدرى فاحتدت همسات الوجد فى عقلى و تحولت إلى صرخات تناشدنى المبادرة ، فمددت يدى أقبض على ردفيها و هى لا زالت فوقى و تطالولت يدى ترفع بالتنورة حثيثا حتى وجدت نفسى ألمس قميصها لإازحته هو الآخر و ادخلت يدى لأزيل تلك القطعة المحظوظة التى تغطى ردفيها و مقعورها ، فوجدتها تتركنى أفعل ما حلا لى لكنها رات ان وضعها فوقى يعيقنى عن إتمام ما أريد فجلست و مدت يدها لى لتجلسنى كذلك ثم مدت يدها لتداعب شعرى و هى تقول لماذا تركته دون تصفيف ! فداعبتها و ماذا عن شعرك انت ! فازالت عنه كل غطاء و هى تبتسم و تخبرنى كم هو مشتاق للمساتى ، و أسدلته على كتفها و قد ملأ صدرى بعبيره الساحر فمددت يدى أصففه لها و أمشطه بأناملى ثم احتضنت خديها بيدى و قبلتها قبلات متتابعه فى الجبين و فوق الخدين و على الشفاه ثم وقفت و مددت لها يدى لتقف و هى تنظر فى عينى بجانب عينيها و كانها تشير لى انها تفهم ما أريد ، وقفت و قد غمرتها بحضن عميق اتبعته بقبلات بشفاه تنافس شفتيها فى نزال غلبته العاطفة حتى استبد بنا الشوق لما هو أبعد فمددت يدى أزيل عنها ثيابها قليلا بتحرج و حياء فتابعت معى تعاوننى و أنفاسها مرتعدة و جسدها يفوق جسدى فى رعشته ، و فى لحظات كان كل جسدها امام عينى لا يحجبه ستر و لا يمنعه عنى مانع ، ما كنت أدرى أن النظر وحده كفيل بتحقيق المتعة و لا علمت أن الارتواء قد يحدث من ضمة بين جسدين عاريين ، هكذا كان حالنا ، كنت أشعر بجسدها و ما يتصاعد منه من لهيب و حرارة فأتراجع لأنظر فى عينيها فاجد الصمت فلا أدرى هل هى تأمرنى بالمتابعة ام انها تطالبنى بالتوقف ، حتى استشعرت ما أخاطب به نفسى سرا فوجدتها تمد يديها لتحتضن وجهى و تقترب بشفتيها و عيناها فى حال المناجاة بالكاد أقدر ان أرى حدقتيها من الجفون شبه المطبقة ، حررتنى هى الآن من كل قيد فاستويت فى قبلاتى ما بين شفتها العليا ثم الدنيا حتى تلاشت معالم الزينة من وجهها تماما و انطبعت على شفاهى انا و ما فكرنا كيف ستعيدها او كيف ستعود بدونها !
نظرت إلى نهديها فالتقت عينى بهما للمرة الأولى ، سحر فاق كل سحر ، لو ان لفظ الجمال أراد لنفسه الإقامة فى لفظ واحد لكان نهديها ، مستديران بشكل خلاب ، منتصبان فى شموخ و إباء تزينهما حبتان من الكريز بارزتان فى صمود و قوة بشكل دفعنى دفعا محموما لأتلقفهما بشفتىّ ، ما اجمل الرضاعة فى الكبر و ما أشهى النهدين حينما تقبض عليهما يداى و شفتاى معا ، تعالى انينها و تأوهاتها و هى تمسح بيدها على شعرى حتى وجدتها تعقصه بيديها ، نزلت على ركبتى امامها حتى استويت بنظرى إلى خصرها فاحتضنته هو الآخر و نمت بخدى فوق مبتدأ مصفحها فملأت أنفاسى رائحته الشهية ، أين توارى عنى كل ذلك قبل اليوم ! ليتنى استكشفت كل تلك المعالم النجية قبل اليوم حتى لا أضيع وقتى فى الانبهار فيكون لقائى هذا قضاءً لصوم كل تلك الأعوام ! لكم اشتقت إليك أيها المسبول ! ها انت اليوم امامى لأجعل من صمتك رعدا لا ينفك حتى يروينى بأمطار و سيول لن تكون إلى داخل فمى ، تعال إلى شفتى الحانيتين و لسانى المشفق عليك من ألم أصابك فى الأيام السابقة ، الآن حان وقت شفائك من اى وجع اعتراك ، و تتابعت قبلاتى له بينما قد ارتعد فخذاها فرأيت حركاتهما وسط الرعشة كنفض الحمامة لجناحها و لريشها و قد أصابتها زخات المطر قليلا و ىه من نشوتى فى رؤيتهما و بياضهما يحيل الظلام ليلا ، كان جسدها فى قمة النضارة ، و كيف لا و هى معتدلة الوزن غير ان ما برز من جسدها كان يحمل طابعا فريدا فى الليونة و الطراوة ، هل سانسى تلك الحبيبة القابعة بالخلف ، استديرى يا مليكتى حتى أنعم برؤية أردافك المصقلة المثقلة بنظرات عينى طيلة سنوات يحرقنى الشوق إليهما ، أشبعت شفاهى تقبيلا لها ، ما أروع انحناءها كما لو كان هناك فرجار رسم استدارتها و ما أعاد ، ما أتقن بروزها كما لو انها خلقت لهذا الجسد وحده لتمتعنى بمجرد النظر إليها ، ما أبرع استدارة فخذيها و نزولهما بشكل مغزلى بتناغم و اطراد لا مثيل لهما ، أما حان الوقت لأنزل فى النهر بجسدى أزيل عنه غبار سنوات الحرمان ! بلى قد حان ، أخذتها من يدها فأرحتها على فراشى بينما لا زال جسدها يرتعد ، و كيف لى ان اطمئنه ، لمحت عينيها ترمق ذلك الهرماق المنتصب امام جسدها فما استكان و لا زادته نظرات خوفها إلا قوة و ثباتا ، و انسدحت بين فخذيها أتابع بنظرى كيف يبدو ذلك العص الذى ناجانى بتتابع قبض و بسط مشافره ، و هل سأتركه دون مصافحة لسانى لأركانه و جنباته ، ما رأيت حريرا و لا ديباجا انعم منه ، كان فى نعومة خديها ، يحيط به بياض الثلج بينما هو يبقى وسط البياض كأنف الأنثى السويدية فى يوم جليدى و قد اتخذت من الحمرة منقذا لانفاسها من البرودة فتضبط حرارتها قبل ان تدخل الرئتين ، شفاهه متوارية مطبقة و كانها لا زالت بكرا لم يخترقها هتاك ، لكن حتى و لو كان ، ساعتبر هتاكى هو اول مخترق لذلك المسبول ، و غرقت فى بحر اللذة معه و لثمته بقبلاتى المحمومة و جعلت من لسانى ممهدا لزيارة فرطاسى له حتى استمعت للسانها يلهج بالنداء ليستحثنى على الولوج ، فقمت من فورى لأقبض على ذلك الاملس بيدى لاوجهه نحو مدخل بضعها و أراوده حتى يدخل ببطء فلا يؤذيها ، كان يتضح عليه الإجهاد من معارك متواصلة فى تلك الليالى الماضية ، و حينما استقر بداخلها سالت دموعها و هى تخبرنى انها كانت تتمنى ان اكون انا اول من يفعلها ، لكن وقعت الواقعة و ما كان بيدها ان تمانع حينما أرادت ذلك ليلة بعد ليلة حتى مرت ثلاث ليال دونما جماع بينهما حتى ثارت ثائرة زوجها فأسمعها عبارات الاتهام الصريح بانها تتمنع عليه مخافة من افتضاح امرها لانها ليست بكرا و بانه سيستدعى اهلها حتى يرون بانفسهم كيف خدعوه و برغم احتراقها و هى تلبى نداءه شهواته إلا انها لطمت خده بعد فض بكارتها مباشرة لتؤدبه على ما قال ..
اتركى ما مضى لا أريد أن تبررى لى ما جرى ، ما يهمنى هو ما نحن فيه ، ألامس النجوم و أعانق السحاب و اطوى الكون بين جناحى ، و عدت أرهز رهزا خفيفا بينما شفاهنا متطابقة فوق بعضها نتنسم عبير الحب مع انفاسنا ، أستنشق انفاسها و تستنشق انفاسى ، و أمتص رحيقها من فمها ، من لسانها الذى يداعب لسانى ، ليتنى كنت املك رفاهية الوقت لأمارس معها وضعيات الجنس كاملة ما كنت تركت وضعية إلا و اديتها ، لكنه الوقت الذى يداهمنا ، و ليتنى كنت فى حالة تسمح لى ان احتفل و اهلل بأول لقاء جنسى لى فى حياتى و متعته الحقيقية تكمن فى انه مع حبيبتى و عشقى الأول و الأخير ، كانت تداعبنى نظرات عينيها لعينى و تحفزنى كلما رأتنى أشرد بذهنى ما بين حركة خصرها تحت جسدى دفعا للاعلى و ما بين قبضها على جنبىّ و الدفع بهما إلى الامام و الخلف حتى استقرت يداها فوق ظهرى و اشتدت ضمتها لى بساقيها و ذراعيها و ضغطت بشكل متلاحق حتى تدفقت ينابيع الحياة داخل رحمها و هى تردد : نعم ، زدنى ، ارونى مما لديك من سقاء ، أنت وحدك الأحق بهذا المقام ، جسدى حقك انت و قد اغتصبه غيرك ، لكنه عائد إليك يا حبيب الروح و القلب و الجسد ، لا تبتئس ببعدى عنك يا حبيبى فقلبى معك و لن يمر الكثير على هذا الحال ، حتى و إن لم اكن لك إلا على هذا الوضع سيكفينى و حتى لو كنت لغيرك و عز لقاؤنا فسيكفينى أن يبقى حبك فى القلب للأبد .. نمت إلى جوارها و انا لازلت أحتضنها بنفس الشوق الذى شهدته فى اول اللقاء ، فما انطفأ الشوق بانقضاء الشهوة و لا قلت متعة القرب عن أول لحظة كان فيها العناق ، و ما كان بيننا حينها إلا مداعبات من يدى لأنحاء جسدها ، و تذكرت حينها اول مرة طرحت جسدى فوق جسدها و نحن مستتران بملابسنا فنظرت لها مبتسما أذكرها بذلك اليوم حينما حاولت خلع ثيابها فأبت و قالت لم يأت وقته بعد ، أما آن الأوان ، فاعتدلت فى نفس الوضعية و نامت على بطنها فظهر امام عينى جسدها برسمته البهية ، و وضعت يديها تحت خدها الأيمن ثم تركتنى فى وصالى مع جسدها الحريرى أمتع نظرى قبل أن امتطيها لاجعل من لسانى فرشاة تدليك لأنحائه ، و ما وجدت فيه منطقة أقل متعة من الأخرى و لا عرفت انطفاء متعة التدليك هذه لجسدها البضّ الرجراج و انا اداعب أردافها و اقبل كل أنحائها بل و انام عليها كما لو كنت أريد تجربة النوم فى ظل هذا الجو المسكن الذى أذهب آلامى و يجتاحنى الشوق فأفتح ضفتى ردفيها و أمدد قضيبى بينهما لأجعله يروح و يغتدى فى هدوء و سكينة بنفس وقع الشعور الأول ، بينما حديثى لأذنيها لم يكن ليتوقف و انا أهمس فيها بعبارات الشوق و الهيام ، آه من سحر لمستها حينما تضع يدها على خدى و انا أهمس لها بما يدور فى قلبى ! آه من زفراتها و انينها مع رجع الشوق المتنامى لضمة يدىّ لصدرها حينما تهمس مطالبة إياى بالحضن فألف يدى تحت خصرها مرة و تحت صدرها مرة لأداعب نهديها و أختبر طراوتهما ، و ما هى إلا لحظات حتى سالت دفقات أخرى بين الردفين ، و ما استغرق كل هذا اللقاء من بدايته إلى نهايته إلا أقل من الساعة التى طلبت فيها الإذن ، ثم ألبستها ملابسها بيدى و انا أقبل كل ما لمسته يدى قطعة بقطعة ، مسحت وجهها بمنديل ثم ودعتنى و هى تبتسم لتقول انها ستذهب حقا إلى إحدى صديقاتها من الجارات لتضبط ما أفسدناه من زينة كانت تضعها قبل بكائها امام الباب و قبل اقتطافى لكل ما طاله لسانى و شفتاى ..
و انتهى هذا اللقاء على غير موعد بلقاء آخر لكن قلوبنا كانت دائما على وصال ، كانت كلما أتت إلى منطقتنا تأتى لتلقى السلام على أبى و أمى و من قبلهما علىّ و لا أذكر ان لقاء الفراش قد تكرر إلا مرة واحدة عندما كنت فى أجازة من التجنيد بعد التخرج و يومها كان اللقاء سريعا فى غرفتى لكن هذا لم يكن إلا تطورا لموقف الشوق ليس إلا ، فما كان احتياجنا إلا للقرب وحده حتى لو اكتفينا بحديث العين للعين ، لم تنجب نسمة على مدار عامين من الزواج و كانها كانت متعمدة تتخذ الاحتياطات اللازمة لذلك ، و بعد انتهاء خدمتى العسكرية حاولت لقاءها على انفراد لكن ذلك ما كان ليحدث مطلقا ، ربما أصرت الدنيا على معاندتى ، فها هى هناء قد تزوجت و لا تعلم شيئا عن استمرار علاقتنا ، و ها هى نسمة قد تأتى إلى منطقتنا لزيارة اهلها ثم تمر لالقاء التحية علينا فيلتقيها أبى و أمى بينما يكون اللقاء لدقائق قليلة ثم تنصرف و أذهب لأفتح لها الباب فتنظر فى وجهى و هى تبتسم ثم تقول يكفينى رؤيتك يا أملى فما أمتع رؤيتك و ما انعشها للقلب و الروح ، إلا انها شعرت بشوقى للقائها المحموم مرة أخرى فرتبت غير عابئة للقاء فى شقتها فأذهب إليها مسرعا لأقضى معها امتع اللحظات و لنبسط للمتعة حلقة تمتد فى ساعاتها لما فوق ثلاث ساعات نمارس فيها الحب ما بين وقوف و قعود و نوم و حتى وضع الفارسة اتخذته و ما كان أشهى نهديها حينما تدليا فوق صدرى لأقبض عليهما بيدى و أداعبهما ثم امد يدى لأحتضن ردفيها و أدفعهما فوق جسدى دفعا ، و استبدت بنا الجرأة حتى صارت كل لقاءاتنا هناك على فراش الزوجية ما عاد يمنعنا عن اللقاء مانع و لا عاد شئ يقف فى طريق الشوق الذى لا نهاية له بيننا ، و نسيت أننى أفعل معها ما يجعلنى أخجل من مواجهة النفس بما تحمله من أصول و قيم خفتت أصواتها بل تلاشت أمام نداء المشاعر ..
و فى يوم غابت شمسه فاجاتنى ببكائها و الذى بلغ النحيب بأنها لن تقدر على التعايش مع العشق و الزواج فى حالة تشبه الانفصام ، و هنا رأيت أنها تريد لى التنحى لتستقر و تهدأ و تطمئن ، و قبل ان اعاهدها على الخروج من حياتها كان ردها بأنها تريد التخلص من حياتها مع طارق فهى لم تعد تريد ان تلوث حبنا باستمراره هكذا على غير ما يرتضيه الضمير ، اقسمت انها كانت دائما تبكى بعد كل لقاء بيننا ، حاولت التخفيف عنها فلم أستطع و قالت بأن الليلة هى آخر يوم لها فى ذلك البيت ، حاولت إثناءها عن عزمها فما استطعت و حاولت جاهدا أن امنحها فرصة تطلب منى أنا الانسحاب من حياتها تماما فرفضت و هى تبكى و تضمنى إلى صدرها و هى تقول بل أنت من أسعى للبقاء معه مدى الحياة ، فكيف تريد لنفسك الانسحاب لتتركنى بلا روح ، إن حبك هو الحياة و لو تركتنى فلا حياة لى فى هذا العالم ، اهدأ انت و اتركنى أتصرف كما أرى و ستكون الامور على خير ما نتمنى فلا تخف و لا تقلق ، لقد حان وقت انصرافك يا حبيبى فقم و لا تشغل بالك بى كثيرا و اهتم بعملك حتى تصبح فى اعلى مكانة يا مهجة القلب ، ثم قبلت يديها فقبلت رأسى و ودعتنى و هى تبكى حتى أبكتنى و كأنها كانت تدرك أن هذا هو اللقاء الأخير ! و فى اليوم التالى عدت من العمل الذى التحقت به مؤخرا و فتحت الباب لأسمع صوت بكاء أمى فذهبت إليها و انا بالكاد أفسر ما ترويه دون أن انتبه أن حزنها هذا على أعز ما منحتنى الدنيا ثم ها هى تقتلنى بحرمانى منه للأبد ، و ما ان نطقت أمى امامى كلمتين حتى رأيت السواد يعم المكان و أرانى ملقى على الأرض فاقدا للوعى ، و لا أدرى كم مر من الوقت و انا ممدد فى الأرض حتى فتحت عينى و الناس من حولى يحاولون حملى إلى فراشى ، و ما ان اتذكر آخر ما قالته أمى حتى أجهش بالبكاء ، ماتت نسمة ، كيف و متى و أين حدث ؟ و لماذا تموت ؟ و لماذا أبقى انا على قيد الحياة ؟ لو كان بيننا من يستحق الموت فهو انا ، و لم تمض ساعات قليلة حتى كان أول ما استوضحته من امى و انا اعاهدها ان اتماسك و أستمع حتى تنتهى دونما بكاء ، فتخبرنى بأن ما قاله الأب فى التحقيقات أن ابنته كانت على خلاف مع زوجها فطلبت منه الطلاق و أصرت عليه و استماتت فى طلبه و هددته بقتل نفسها لو لم يفعل ، فاستدعى والدها و الذى دخل معها غرفتها ليستمع إلى شكواها فلم ير امام عينيه مشكلة حقيقية تستدعى طلبها هذا غير انها تحتاج للتأديب منه و حاول ان يجبرها على نسيان الأمر فليس الطلاق واردا فى عائلتهم كما يدعى دائما بأن بناتهم لا تخرجن من بيوت ازواجهن إلا إلى القبر ، و حينما أصرت اوسعها ضربا و هى تصرخ مرددة على مسامعه : لن أستمر معه فافعل ما شئت ، ظلمتنى حينما زوجتنى به على غير إرادتى و الآن تظلمنى حينما أريد ان أصحح وضعا خاطئا ، انت لا تعرف اى معنى للأبوة ، كانت قسوتك دائما هى المدار فى تقبلنا لقراراتك ، جعلتنا نقبع فى الخوف منك دون احترامك ، ليتنى ما كنت ابنتك و لا كنت أبى ، و مع كل كلمة قالتها نسمة كانت تثور ثائرة الأب الذى تجرد حينها من كل آدميته و أبوته فكان يلكمها فى وجهها و يمسك بشعرها و يضرب رأسها فى الحائط إلى أن طرحها أرضا و ظل يركلها بقدميه فى كل أنحاء جسدها حتى وضع حذاءه على عنقها و هو يسمعها أقسى عبارات السب و هو يضغط بحذائه و كأنه ينتقم من عدو ، بينما يدخل زوجها الغرفة على صراخها فيمنعه ليترك الأب ذلك البيت و هو يهددها بألا تعود إلى مثل ذلك الطلب من جديد ، و قبل مغادرة الأب لذلك الشارع يجد الناس ما بين من يصرخ و ما بين من يجرى نحو البناية التى تسكن فيها ابنته ليراها ملقاة على الأرض و قد سقطت من شرفة شقتها !! و كان ما قاله زوجها فى التحقيقات أنها طالبته من جديد بتنفيذ الطلاق و إلا ستلقى بنفسها من الشرفة ، فلما تباطأ فى التنفيذ او حاول المراوغة فعلتها ، صادقا كان أم كاذبا لا يعنينى ، تمت تبرئته و تزوج بغيرك من بعدك لا يعنينى ، كل ما يعنينى أن الظلام قد كسا الكون ، و أن الليل لم يعد له نهار ، و أن الدمع بات رفيق الدروب كلها ..
ماذا يقول الدمع لهذه العيون التى قد أرهقها و أجهدها ؟ و هل يفيد اعتذاره ! قال لها حينما لم تتقبل عذره بأنها سجنته بداخلها سنوات طالت .. فلما انفتحت له الأبواب انطلق غير عابئ الا بحريته .. سال و فاض حتى استشعر جهد العيون فى تكبيله ، فتوقف معتذرا لعلها تسامحه .. فقالت تركت باباً لتخرج منه ببعض ما بك من قيود فهدمت حصون الكبرياء و اندفعت لا تبالى بما صرت عليه من انكسار .. ويحك أيها الدمع ، حين تشعر بحريتك لا تتورع عن إيذاء من حررك .. فى كل يوم آتى إلى هنا ، إلى المكان الذى يضم بين جنباته منية النفس و عمر العمر و روح الروح ، نسمة ، آه يا حبيبتى لو كان الدمع يعيدك لكنت على يقين بأنك ستعودين ، و كيف لا و الدمع لا ينقطع من عينى طوال سبعة عشر عاما مرت على رحيلك ، و سأظل العمر أبكى دون ملل حتى يقضى أجلى فأراك من جديد ، صار هنا ملجئى و منتهى أملى ، هنا أجلس معك و كأننا لا زلنا فى حديث لا ينقطع ، لو انك ترين الحيرة فى عيون رواد هذا المكان الذين يروننى كلما حضروا أقيم هنا امامك لعلمتى كيف تسيل دموعهم حينما ينظرون لحالى و قد صرت شبحا لمن كنت تعرفينه ، ما أقمت هنا إلا لطمانينة قلبى بأنه لن يفرقنا أحد بعد اليوم ، و عما قريب سآتى إليك لأكون إلى جوارك و ما أسعده من جوار ! ليت القلب الذى أحبك يصنع معى المعروف فيتوقف عن النبض حتى يسارع باللقاء ، و برغم غربتى فى هذا المكان أمام المارين به غير أننى أستشعر انه وطنى لأنه يضم من كان قلبها لى الوطن ، و سيظل قلبى لا يعرف وطنا إلا حيث تقيمين ، و لن أبرح رحابك حتى أكون إلى جوارك هكذا كان العهد الذى قطعته على نفسى و هكذا سأظل أحلم بلقائك فلا الدنيا فى نظرى عزيزة ، و لا البقاء فيها يعنى الحياة .. فلقاؤك يا حبى الوحيد هو الذى يعنى الحياة .